للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في سنة ١٢٥٥هـ وصل إلى دمشق شاب مصري لم يُسجّل اسمه على الحدود ولم يُطلَب منه جواز سفر، لأنها لم تكُن بين مصر والشام حدود على الأرض ولا فروق بين السكان، ولم تكُن الأسفار تحتاج إلى «جواز»، بل كانت كلها بلداً واحداً ترفّ عليه راية واحدة، هي الراية الحمراء ذات النجم والهلال، راية بني عثمان. وكان بنو عثمان حكّاماً بشراً لهم حسنات ولهم سيئات، وما حسناتهم -في جملتها- بأقلّ من حسنات مَن حكموا ديار الإسلام على سعة رقعتها وامتداد زمانها، ولا سيئاتهم بأكثر من سيئاتهم، ولكن اليهود (وأصل كلّ بلية في الدنيا إبليس واليهود) لمّا صدّهم السلطان عبد الحميد وضرب وجوهَهم بأموالهم التي جاؤوا يساومونه بها على دينه افترَوا عليه وبهتوه، والافتراء والبُهتان من خلائقهم. لمّا كان ذلك ذهبوا يشوّهون تاريخه وتاريخ قومه، وصدّق ذلك ناس منا، بل من أفاضلنا.

هذا الشاب الذي وصل دمشق سنة ١٢٥٥هـ وُلد في طنطا (التي كان اسمها طندتا)، وأنا لم أدركه، وكيف وقد مات سنة ١٣٠٦، أي قبل أن أولَد بإحدى وعشرين سنة؟

ما أدركته ولكن سمعت خبره من شيوخ أسرتي، من ولدَيه الشيخ عبد القادر والشيخ عبد الوهاب (وهما خالا أبي)، وممّن أدركت من تلاميذه كالشيخ عبد المحسن الأسطواني والشيخ محمّد شكري الأسطواني مفتي سوريا، ومن ترجمته في الكتاب القيّم «روض البشر» للشيخ عبد الرزاق البيطار (١) جدّ شيخنا


(١) الصحيح أنه كتاب «حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر» للبيطار، أما «روض البشر في أعيان دمشق في القرن الثالث عشر» فهو للشيخ =

<<  <  ج: ص:  >  >>