للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقولون: وهل يكذب أحد مع الله؟ أو هل يكذب مع نفسه؟ وأقول: نعم، الذي يعلم المصلح من المفسد والصادق من الكاذب يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، ولكنّ من سفه نفسه وجهل قدرها يحسب أنه يخادع الله، ولا يخدع إلاّ نفسه: يُظهِر العمل لله ويُبطِن قصده الدنيا، فيَعُدّه الناس في الصالحين لأن لهم الظاهر ويكتبه الله في سواهم لأنه يتولى السرائر.

أما الصادق مع الله (مثل أخي الشيخ محمد الحامد رحمه الله) فإنه يُصلِح جُوّانيّه قبل إصلاح بَرّانِيّه، ويصفّي نية قلبه قبل تحسين أعمال جوارحه. والصادق مع نفسه هو الذي يأمر الناس بالخير ويكون أولَ من يأتمر به، لا الذي يدعوهم إليه ثم لا يعمل به ولا الذي ينهاهم عن الشرّ ثم يخالفهم إلى ما نهاهم عنه.

وأقول استطراداً آخر: هل تدرون ما خائنة الأعيُن التي ذكرها الله وما الذي تُخفي الصدور؟ إن كل آيات القرآن عظيم، ولكن في هذه الآية صورة من حياتنا لو أنّنا تنبّهنا إليها.

يكون الشابّ المسلم في البلد الذي انحرف عن جادة الإسلام، ففشا فيه السفور وظهرت العورات، وعمّ الاختلاط في الجامعة باسم العلم وفي الملعب بحُجّة الرياضة وفي المسرح بدعوى الفنّ وفي المستشفى باسم الطبّ، فتمرّ به البنت الجميلة، فيغضّ بصره عنها ويُمسِك بإرادته أجفانَه أن تنظر إليها، ولكن لحظة غفلة منه تجعل عينه تخونه فتقع عليها، فإذا هو ناظر إليها. هذه هي «خائنة الأعين». أما الذي تخفيه الصدور فهو الاقتراب منها والوصول إليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>