للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلسانهم. وأسرة الزّهَاوي التي خرج منها علماء أجلاّء وأدباء أصلها -كما فهمت- من الأكراد.

والإسلام لا يفرّق بين عربي وكردي ولا بين تركي وفارسي، إنما المؤمنون إخوة، فالإيمان يجمعهم والاختلاف في العقيدة هو وحده الذي يفرق بينهم.

وطال الكلام، وتوالى المتكلّمون بالكردية وأنا قاعد كالأصمّ في الزّفَّة لا أفهم، فمللت وضاق صدري وقلت للشيخ الصوّاف: أنا أمشي أمامكم تلقونني على الطريق. وكنت قد عرفت الطريق من المسجد إلى ساحة البلد، فلما وصلت إليها أخذت طريق الموصل الذي جئت منه، وفي ظني أنني لا أمشي نصف ساعة حتى يكون القوم قد ختموا اجتماعهم وأكملوا خطبهم ولحق بي الشيخان بالسيارة فأدركاني على الطريق.

ولكنني مشيت، ومضت نصف ساعة، وأذّن المغرب وأظلم الليل وأنا أتلفّت ورائي فلا أجد ضوء سيارة ولا أرى أحداً. وكنت في تلك الأيام امرَءاً يحبّ المشي الطويل وكنت أقدر عليه، فما زلت أمشي بخطوات عسكرية موزونة حتى مرّ على أذان العشاء ساعة ونصف الساعة، وأنا وحيد في هذه البرّية ما معي أحد، ولم تمرّ بي سيارة ولم يمرّ بي ماشٍ على رجلَيه.

ثم بدت أضواء سيارة فحسبت أنها سيارة الشيخين قد لحقَت بي، فوقفت فإذا هي سيارة الشرطة، نزل منها ضابط فنظر إليّ بارتياب وسألني من أنا وماذا أصنع هنا، فخبّرته وأريتُه أوراقي، فعجب مني وقال لي: اركب معنا. قلت: لا أستطيع لأنني أنتظر

<<  <  ج: ص:  >  >>