للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توافد الناس علينا، الباب مفتوح والغرف كلها مُعَدّة، وصحن الدار الواسع صُفّت فيه الكراسي، لا أدري من أين جاءت. كل ذلك ممتلئ بالناس، يخرج قوم فيدخل مثلهم، أعرف منهم واحداً وأجهل التسعة.

حتى انتهت أيام التعزية وخُتم موسم الكلام، والكلام ولو كان حلواً ولو كان بليغاً لا يكلّف مالاً. وذهب كل من المعزّين إلى داره وبقينا وحدنا نواجه أول آثار الحادث.

كنت في أول السنة السابعة عشرة من عمري ولكن لا مال لي ورثته ولا مورد لي أنفق منه، وأنا أكبر إخوتي. أمّا عمّاي (أعني خالَي أبي) فما كانا -رحمهما الله- ممّن يمدّ يده إلى كيسه يُخرِج منه ما يقدمه إلينا، وإن كان في الكيس ما يخرجان منه لو شاءا. أمّا عمّي الأكبر فما زاد على حلو الكلام، دفعه إلينا ومضى. وأمّا الأصغر فقد أعاننا -جزاه الله خيراً- بجهده لا بماله؛ استخرج لأبي معاشاً تقاعدياً كان ضئيلاً لأن مدّة خدمته الحكومية (أميناً للفتوى ومفتياً في السويداء، ثم رئيس ديوان محكمة التمييز) لم تكُن طويلة، وتولّى بيع كلّ ما كان في الدار من فرش وأثاث وبيع المحرك (الموتور)، ولم يبقَ إلاّ المكتبة فقد وقفتُ دونها. واستأجر لنا داراً صغيرة في الحارة التي وُلدت فيها مقابل الدار القديمة.

هل قلت دار؟ لا، بل هي دُويرة، وما أظن هذه التسمية صحيحة لأنها كانت أقرب إلى الإصطبل، بل إنها لا تصلح أن تكون إصطبلاً ولا يوجد طبيب بيطري يوافق على ربط الدوابّ

<<  <  ج: ص:  >  >>