للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن المحاكم إنما أقيمت لتعاقب المجرم السافل الذي يزهق حياة نفس واحدة بريئة، فكم طفلاً وامرأة وشيخاً، وناسكاً متعبداً وعالِماً مفكّراً وأدبياً عبقرياً، أزهقَت أميركا لمّا ألقت قنبلتَيها على هيروشيما وناغازاكي؟ وما أدافع عن اليابان، فاليابان كانت ظالمة فوجدت أظلم منها، ذلك أن الاحتلال الياباني كان أشدّ وأقسى من احتلال الهولنديين، وكانوا هم (أي اليابانيون) أظلم وأطغى.

وكان يوم ١٧ آب (أغسطس) سنة ١٩٤٥ واليابانيون لا يزالون يحتلّون أندونيسيا، فطلب الشعب الإذن له للاجتماع في ساحة كامبير في بتافيا (التي سُمّيت اليوم جاكرتا ودُعيت ساحتُها هذه بميدان مرديكا، أي «الاستقلال»)، فأبى المستعمرون اليابانيون. وأصرّ الناس فأقام اليابانيون المتاريس ونصبوا الرشاشات، ولم يكن للشعب من سلاح إلاّ الحِراب التي كانوا يتخذونها من نوع القصب، يشبه الأقلام التي كنا نكتب بها ونحن صغار ولكنه ضخم قويّ تُبنى منه البيوت وقشرته أحدُّ من شفرة السيف.

فبرى الشعب حِرابه وواجه بها رشاشات المستعمرين، واقتحم الميدانَ يطأ على أجساد قتلاه ويخوض في دمائهم، حتى اجتمع في الميدان ما يزيد على نصف مليون إنسان. ثم أقبلَت سيارة تحمل علَماً غريباً هو الذي يستظلّ بظله اليوم مئة وخمسون مليوناً من الأندونيسيين، فيه اللون الأبيض رمز السلام واللون الأحمر لون الدم، كأنه يقول: "إنا نريد السلام، ولكننا لا نخشى الحرب". وحول الراية الشبّان المسلّحون، وفيها أحمد سوكارنو ورفيقه محمد حتا. وأقيم منبر على عجل وصعد سوكارنو. وسوكارنو -على ما نُنكِر منه من انحراف عن الإسلام- كان

<<  <  ج: ص:  >  >>