للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشوكة والسكين، لا حباً بالعادات الإفرنجية بل تدريباً لها على ما سيواجهها في حياتها، حتى إذا اضطُرّت يوماً إليها كانت قادرة عليها. وليس في هذا مخالفة للسنّة كما قد يتوهم بعض القارئين، فالرسول ‘ استعمل السكين لقطع اللحم، ودينُنا لا يمنعنا من أن نأخذ كل ما فيه مصلحة لنا من عادات غيرنا إن لم يكن قد نهانا عنها ربنا ولم تكن مخالفة لشرعنا.

ونحن في حياتنا اليوم أقرب إلى طرائق الحياة الأجنبية منّا إلى ما كان عليه أجدادنا قبل مئة سنة، في طعامنا وشرابنا وفرش بيوتنا ووسائل انتقالنا وأوضاع مدارسنا ووسائل دفاعنا، يستوي في ذلك إمام المسجد وشيخ القبيلة ومن درس من أولادنا في أوربا وأميركا. لقد داخلَتنا مظاهر هذه الحضارة وغلبت علينا، شئنا أم أبينا. فإذا فتحنا أعيُننا وحكّمنا عقولنا وأخذنا الصالح منها باختيارنا وتركنا السيئ بإرادتنا، خيرٌ لنا من أن نصنع مثل الذي صنعنا يوم واجهَتنا ودخلَت فجأة علينا في أعقاب الحرب الأولى، لمّا كنت أنا في آخر مرحلة من الدراسة الابتدائية، فحاول فريق من مشايخنا نبذها كلها والإعراض عنها ومحاربتها، فما استطاعوا، وفريق من مجدّدينا ومقلّدينا أراد أخذها كلها بخيرها وشرّها، فما أفلحوا.

* * *

وكنت -مع هذه العناية بأكل بنتي وسلوكها ونظافتها- أهتمّ بما هو أولى من ذلك كله وأسمى، وهو غرس بذور الإيمان في قلبها. ولي تجرِبة مع بناتي ذكرتها في الرائي وفي الإذاعة مرات، ولعلكم سمعتموها. وأنا أعلم أن أثقل الكلام الحديث المُعاد،

<<  <  ج: ص:  >  >>