للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحمد تلميذ الشافعي، فمن هنا كان أبو حنيفة «الإمام الأعظم» وكان الناس -كما قيل- عيالاً في الفقه عليه. وأرجو أن لا يفهم أحدٌ من هذا الذي أقول إني أفاضل بين الأئمة وأصنّفهم أصنافاً وأمنحهم درجات النجاح في الامتحان. من أنا وما مكاني من أئمة الدين؟ ولكن أقرّر الحقيقة التي أعرفها.

* * *

وقد مرّ بي شطر من عمري كنت فيه حنفياً متعصّباً، لا أقبل بما يخالف المذهب ولا أرى الحقّ في غيره، حتى إنني كنت أسمع الحديث الصحيح على خلاف مذهبي فأجادل فيه، أقول: هل اطّلع فقهاء المذهب خلال ألف ومئتَي سنة على هذا الحديث أم لا؟ فإن قلتم «لا» قلت: إن هذا بعيد، بل يكاد يكون مستحيلاً. فإن اطّلعوا عليه فلماذا لم يعملوا به؟ هل تعمّدوا مخالفته واتفقوا جميعاً على هذا المنكَر الذي لا يرتضيه عوامّ المسلمين لأنفسهم، فكيف بعلمائهم، على امتداد الزمان وتباعُد الأقطار التي وصل إليها المذهب الحنفي؟ فإن كانوا اطلعوا عليه ولم يعملوا به، ولم يكن ممكناً أن يتعمّدوا جميعاً مخالفته، فلم يبقَ إلاّ أن يكون عندهم دليل لم يصل إلينا علمه.

بهذه الحُجَج الجدلية كنت أدافع عن مذهبي. ثم وجدت أن فقهاء المذاهب الأربعة (لا الحنفي فقط) يحرصون على التثبّت من صحّة الرواية عن إمامهم، فإن ثبتَت الرواية عنه لم يلتفتوا بعدها إلى دليل، مع أن قول الإمام وحده -وهو غير معصوم- لا يصلح دليلاً في الدين. الدليلُ الآية الصريحة والحديث الصحيح

<<  <  ج: ص:  >  >>