للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم كانت الثورة السورية وامتدّت ثمانية عشر شهراً، كانت تمتلئ بأخبارها البرقيات وأعمدة الصحف وتتصدر أكبر جريدتين يومئذٍ: التايمس والطان (أي الزمان). لقد قهروا جيش فرنسا، وأنا أقول الحقّ لا أنظم قصائد الفخر ولا أسجل أحلام اليقظة ولا المنام. كانت تخرج الحملة (والكلمة من تعبيرات الثورة) فيها الدبابات والمصفحات يقودها جنرال أو كولونيل وفيها الألوف من الجنود، فيردها عشرات (وإن كثروا فمئات) من الثوّار، سلاحهم البنادق والسيوف، وسلاح آخر أقوى من السيوف والبنادق هو الإيمان.

لا يسخرْ أحدٌ من هذا الكلام، فإن البندقية مع الإيمان أقوى من المدفع بيد غير المؤمن، والحجارة في أيدي شباب فلسطين اليوم وأطفالها تفلّ الحديد وتغلب البارود في أيدي كلاب، لا بل خنازير يهود، ما يبلغون أن يُدعَوا كلاباً فللكلاب وفاء، ويهود الغدرُ من طبائعهم والمراء. الإيمان ولو كان بالجبت والطاغوت قوة لا تكاد تُغلَب، والمثَل فيتنام. أما أتعبت بل أعجزت فيتنامُ أقوى دول الأرض، وهي لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا يرجو قتيلُها جنةً ولا يرقب ثواباً؟

هذا هو المثل الواطي القريب، أما المثل الأعلى لما يصنع الإيمان من عجائب فهو المسلمون الأولون، الذين مشوا لإعلاء كلمة الله شرقاً إلى تركستان وأطراف الصين ومشوا غرباً حتى اقتحم عُقْبة بفرسه ماء البحر بحر الظلمات (المحيط الأطلسي) وقال: اللهم لولا هذا البحر لمضيت مجاهداً في سبيلك حتى أفتح الأرض لنور الحق أو أموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>