للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما ظنك بمن يقعد: بساطه أرض الشارع وسريره بلاطه، ويأكل فلا يغسل يديه ويذهب فيقضي حاجته ويعود فلا يتنظف من آثارها؟ ولا أظلم الحيوانات فأقول إنهم مثلها لأن من الحيوان ما ينظّف نفسَه ولو بلسانه كما يفعل القط، ومنها ما يغطس في الماء إن رأى الماء فيغتسل فيه، ومنها ما يتوارى عن الأنظار إن اجتمع ذُكرانه بإناثه فلا يراه أحد. من رأى فحلاً وناقة وهما في شهر العسل؟

فسألت: ما هؤلاء؟ قالوا: هم الهيبيون، خلفاء قوم آخرين ظهروا في إنكلترا قبلهم يتسمّون باسم الخنافس. والخنفساء أبشع الحشرات اسماً ومن أشنعها منظراً! وقلّدهم ناس منا فأطالوا شعورهم مثلهم، فكانوا كالذي زعموا أنه عاش عمره في القفر لم يرَ الحضر يقترب منه، نزل المدينة يوماً فرآهم يأكلون الزيتون الأسود، فحسبها صراصير، فلما عاد صار كلما رأى صرصوراً أمسك به فأكله. قالوا: ما تصنع ويحك؟ قال وما يُدريكم أنتم؟ رأيت أهل الحضر يأكلونها! وكثير منا ممن يقلد الأجانب بلا علم وبلا فهم مثل هؤلاء ... إنهم أكَلة الصراصير!

والعجيب أن نفراً من أبنائنا هناك من الصالحين ذهبوا يسألونني أن أجتمع بأربعة من كبار هؤلاء الهيبيين لأنهم طلبوا زيارة المسجد والاجتماع بأحد رجاله. قلت: أعوذ بالله! ما لي ولهم، وما فائدة اجتماعي بهم؟ قالوا: إن في ذلك مصلحة، فإن منهم -على سوء منظرهم وقبح سلوكهم- من يحمل أعلى الشهادات، ومن له قلم وله لسان وله في قومه منزلة، فلعلّه إن عرف طريق الهدى كان من المهتدين ثم يدعو قومه إلى هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>