للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجمال البنيان، كان يبدأ منها القطار الذي ينتهي في محطة العَنْبرية في المدينة المنورة، وقد أُنشئت على غرارها ولكنها ليست مثلها ولم تبلغ في الجمال مبلغها. هذا الخط الذي كان منقبة للسلطان عبد الحميد رحمه الله، والذي بُني بأموال المسلمين وأريقت في بنائه سَواقٍ من دماء العمال المسلمين، الذين كانوا يعملون في حرّ الصحراء ووهج الشمس على الرمال المتلظية التي يُشوى عليها اللحم. وكان وقفاً إسلامياً، عاش عشر سنين ثم خربته أيدي المسلمين مع أيدي جماعة لورانس، فانطبق علينا ما قال الله عن عدوّنا: {يُخْرِبونَ بُيوتَهم بأيديهِمْ وأيدي المؤمنينَ، فاعتبِروا ياأُولي الأبصارِ}. فهل اعتبرنا؟ هل عرفنا بعد كل ما مرّ بنا صديقَنا من عدوّنا؟

وكنت أظن أن أمستردام على البحر، فخبّرونا أنه بعيد عنها وأننا إن أردنا ذهبنا إلى فولندام. فذهبنا إليها ومررنا بمزارع وقُرى يشمّ منها القادم عليها مثل رائحة الإصطبل من كثرة البقر، أعني البقر حقيقة لا البقر على صورة البشر.

وفولندام مدينة صغيرة جميلة، تراها كأنها لوحة يملؤها اللون الأحمر ومن حولها إطار كبير لونه أزرق، الحمرة من سقوف القرميد التي تعلو بيوتَها الصغيرة المبنية على الطراز القديم، والزرقة من البحر المحيط بها. ورأيت فيها النساء بثيابهن الوطنية وهُنّ بالحجاب الكامل، الثوب الطويل الذي يصل إلى وجه القدم والكم الطويل الذي يبلغ الرسغ فلا يَظهر إلاّ الكفان، وعلى الرأس قلنسوة خاصّة لم أرَها في غير تلك البلاد تستر الشعر كله، وفي أرجلهن أحذية من الخشب كأنها القباقيب. ولم نرَ من

<<  <  ج: ص:  >  >>