للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلاّ أن يُبقي الله علي صحّتي وأن يُديم ستره عليّ، وأن يختم لي بالحسنى، وأن يُصلِح لي أهلي وأن يحفظهم بعد موتي. هذا الذي بقي لي من الآمال في الدنيا.

* * *

أعود الآن بعد هذه المقدّمة الطويلة التي قد يُنكِر عليّ بعض القراء شيئاً مما قلت فيها، أعود إلى الكلام عن أيامي في محكمة دمشق التي قطعتُها في الحلقة ١٢٥ لأصِل ما قطعت. فهل تدرون ما وجدت؟ لا تحسبوا أني أسوق صورة أدبية أو آتي بخيال شاعر، لا، ولكن أقول الحقّ: وجدت أنني أكتب عن شخص آخر ليس أنا. إني أشعر أن بين جوانحي الآن اثنين، واحداً يتذكّر وآخر هو موضع الذكرى!

لا تقولوا إني أتفلسف، فأنا أسأل: هل الذي كان قاضياً ممتازاً في محكمة دمشق سنة ١٩٥١ هو أنا؟ أسألكم ما معنى «أنا»؟ ماذا تقصد حين تقول «أنا»؟ جسدك؟ إنه لم يبقَ في جسدي خلية واحدة مما كان فيه تلك السنة إلاّ خلايا المخّ التي زعموا أني أتذكّر بها وأفكّر بها، وما هي للفكر إلاّ كالأشرطة والمصباح للكهرباء، لا بدّ منها ولكنها ليست هي الكهرباء. فما الكهرباء؟ لا يدري أحد. كشف نيوتن قانون الجاذبية وجاء آينشتاين وعدّل فيه، وما وضع نيوتن ولا عدل آينشتاين القانون بل كشفاه، والقانون وضعه ربّهما وربّ العالمين. ولكن هل عرفا أو عرف أحد ما هي الجاذبية؟ لماذا ينقطع النور إن انقطع السلك أو احترق المصباح (اللمبة)؟ هل لأن السلك والمصباح هو الكهرباء؟

<<  <  ج: ص:  >  >>