للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتابة بهما وبالقلم الديواني).

وذهبت مرة إلى دار اللبابيدي أسأل زوجته مِن وراء الباب عن حالها مع أولادها وأولاد الصباغ، فشكت إليّ ما تلقى، فأخذتني نوبة مفاجئة من الأريحية والكرم ليتني ما أحسست بها! فقلت لها: هاتيهم ليُمضوا اليوم عندي في الحديقة. ويا ليتني لم أقُل، فقد جنيت على نفسي وجلبت الهمّ لها! وقلت أطبخ لهم طعاماً مثلما يطبخ الشيخ الدكتور مصطفى الخن (ولم يكن قد صار دكتوراً) ونسيت أنه أشبه الناس بأخي ورفيقي الشيخ مصطفى الزرقا على بعد ما بينهما في السن، يشبهه في إتقان كل عمل يعمله وفي سعة صدره وطول باله، فأردت أن أتشبّه به، فكان مثلي مثل القرد والنجّار في كتاب كليلة ودمنة.

أعددتُ لهم طعاماً وصببته لهم في الأطباق ووضعت لهم الملاعق، وحاولت أن أعمل من أطفال صغار رجالاً كباراً. فعبثوا بالطعام وكَبّوه ولطّخ به الصغار وجوههم وأيديهم، ثم كفّوا عن الأكل وأبوا أن يُتِمّوا طعامهم لأنه لم يعجبهم ولأنهم يريدون مثل الطعام الذي تصنعه لهم أمهاتهم في بيوتهم. وأنّى؟ ثم كانت الطامة إذ نفشوا (١) في الحديقة فعاثوا فيها، وكانت فيها شجرة رُمّان قد أزهرت وعقدت، وكنت أنتظر يَنْعَها، فقطعوا زهرها وكسروا أغصانها، ثم جاؤوا إلى البركة يريدون أن ينزلوا فيها فحُلْتُ بينهم وبينها. وكان للأستاذ الصباغ ولد صغير جداً نسيت


(١) أي انتشروا، كما في قوله تعالى: {ودَاوُدَ وسُلَيْمانَ إذْ يَحْكُمانِ في الحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فيه غَنَمُ القَوْم} (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>