للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي كل مكان ازدحام وعلى كل ثغر ابتسام وفي كل قلب فرحة، وكل الناس مبتهج مسرور: الرجال والنساء والشيوخ والأطفال. والهتاف متّصل ما ينقطع، والنشيد دائب ما يسكت، والخطب والمحاضرات والزغاريد والأغاني، والصواريخ المضيئات تنفجر في الجوّ فتتساقط منها الأنوار أمطاراً، والجيش يحمل مشاعله ينشد ويزمر ويشارك الأمة في أفراحها. وما عهدنا هذا الجيش يشاركنا في فرح ولا ترح، ما عهدناه إلاّ عوناً للغاصب علينا ضاحكاً في مآتمنا عابساً في أفراحنا. يدور بالمشاعل في شوارع دمشق، يذكّر بالجيش الإسلامي لمّا حمل القرآنَ، مِشعَلَ النور الهادي فأضاء به الأرض وهدى أهلها. وعلى كل جبل من جبال دمشق نيران ضخمة أضرموها، كما أُضرمت من قبل نيران الفتح على جبال مكة إيذاناً بتطهير الكعبة وتهديم الأصنام وإجلاء الشرك عن البيت الحرام.

فماذا في دمشق؟ أيّ يوم هذا من أيامها، عظُمَت أيام دمشق وكبرت وجلّت؟ إلاّ أنه يوم الفرحة الكبرى، إنه اليوم الذي كان يتمنى كل شامي أن يراه ولا يبالي إذا رآه أن يموت من بعده؛ إنها الغاية التي سرنا إليها خمساً وعشرين سنة وتسعة أشهر، نطأ الحِراب ونخوض اللهَب، نمشي في الدم ونتخطى الجثث وننشق البارود. إنها الأمنيّة الكبرى التي كان يتمناها كل سوري وكل عربي وكل مسلم: إنه يوم الجلاء.

لقد جُنّت دمشق وحُقّ لها أن تُجَنّ، فلقد عاد الحبيب بعد طول الفراق، وآب المسافر بعدما امتدّ الغياب، وعانقَت الأم وحيدَها بعدما ظنّت أنْ لا لقاء، وتَحقّق ما كان يُرى مستحيلاً،

<<  <  ج: ص:  >  >>