للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الدنيا، مَن الذي منحه إياها؟ إن قلت إنه دكتور دخلنا في متاهات الدور والتسلسل الذي لا يوصل إلى غاية، وإن اعترفتم بأن الذي منح أول دكتوراة كان لا يحملها (وهذا هو الواقع) أقررتم معي بأن الشهادة ليست وحدها مقياس العلم.

وكان مما قلت لمعالي الشيخ حسن رحمة الله عليه: خبّرني ياسيدي، لو بعث الله جدّك الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو الإمام أحمد بن حنبل، هل كنت تستطيع أن تعيّن واحداً منهما معلّماً في مدرسة ابتدائية وأنت لا تعترف بمقياس إلاّ مقياس الشهادة وحدها؟ وأنا أعرف سيدة تدرّس من سنوات طوال في جامعة من جامعات المملكة، درّسَت النحو والصرف ودرّست البلاغة ودرّست الثقافة الإسلامية وأصول النقد ودرّست الأدب العباسي والأندلسي، وكانت في ذلك كله بشهادة الجميع من أنجح المدرّسات، تحمل شهادة الماجستير وهي تحاول من سنوات أن تُقبَل في امتحان الدكتوراة، وطرقَت أبواب جامعات المملكة كلها فلم تُقبَل فيها. كأن تدريسها هذه المواد طوال هذه السنين لا يعدل الدراسة المطلوبة سنة أو سنتين! هذا مثال على التقيّد الكامل بنظام الشهادات.

ثم إنه جاءنا الآن مقياس آخر أبعد من العقل وإن كان أقربَ إلى الدقّة، وهو الكمبيوتر (١). عرضوا مرة على الكمبيوتر ساعتين اثنتين، إحداهما واقفة لا تمشي أبداً والثانية تؤخّر دقيقة واحدة،


(١) الذي سمّيتُه «المِحْساب»، لأن اشتقاق اسم الكمبيوتر في الفرنسية والإنكليزية من مادة «حسب».

<<  <  ج: ص:  >  >>