للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحيط بها ولا يملّها. ثم وصلنا الجيزة، وما بعدها شيء إلاّ «تراماً» يمشي في خلاء من الأرض إلى الهرم، ما دون الهرم مساكن ولا سكان. وقد سمعت أنه صار الآن شارعاً معموراً، لا عمران العلم والفضيلة والإيمان بل الفنّ واللهو والخسران، والله أعلم بصحة ما سمعت.

* * *

ولمّا كان مساء اليوم الأول من أيامي في مصر أخذوني في جولة أخرى، ثم دخلنا حديقة الأزبكية إلى زاوية منها كانت مقهى ومسرحاً، فلما وصلت إليها أحسست كأني أدخل ماخوراً أو كأني العذراء تلج دار الفواحش، وفررت مذعوراً. قالوا: ما لك؟ قلت: قهوة؟ أنا أقعد في قهوة؟

كانت القهوة عندي في منطقة الممنوعات، أفترون هذا صواباً؟ لقد عرفت بعد حين أنه كان بعيداً عن الصواب. إن الصعوبة في تخطّي الحدود، فإذا بدّلنا مكانها وأدخلنا المكروهات في دائرة المحرّمات سَهُلَ على مرتكب المكروه اقتراف الحرام.

وطال جدالنا وتجمّع الناس من حولنا، ثم غُلبت على أمري فدخلت. ولم تمضِ إلاّ ربع ساعة حتى أُطفئت الأنوار وبدأ عرض فِلْم من أفلام السينما. والغريب أني لم أنكر السينما مثلما أنكرت المقهى، لأنهم أرونا ونحن صغار أيام الحرب العالمية الأولى فلماً عن حرب «جناق قلعة» فتعودت رؤية الأفلام، والعادة تثبت من مرة واحدة!

<<  <  ج: ص:  >  >>