للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيما يسميه هؤلاء صنعة؟ ولِمَ لا تكون استطراداتي وكلامي عن حارات الشام وألوان الطعام فيها دليلاً على ألمي؟ من كان في رجله دُمّل عليه أن يفقأه يمدّ يده إليه، ولكن تصوّر الألم والخوف منه يبعدها عنه فهو يدلّك الجلد حوله ويتجنب الضغط عليه.

وهاكم قصة أبي عجاج. وما هي بقصة ذات بال وما أبوعجاج بالمشهور بين الرجال، إنه واحد من أبناء هذا الشعب الطيّب، النقيّ الفطرة الصافي القلب، الذي لا يقول إلا ما يعتقد أنه الصدق ولا يفعل إلا ما يرى أنه الحقّ؛ لذلك يصدّق الناسَ إذا قالوا، وإنْ وثق بشيخ يدعو إلى الله أو زعيم يُخلِص في خدمة الوطن أطاعه وانقاد إليه وأعانه. إذا وعد وفى ولو على ذهاب روحه، وإن ظُلِم ثار ولو بذهاب روحه. هذه هي الصفات الأصيلة لأبناء هذا الشعب.

فلما قامت «نهضة المشايخ» أسرع أبو عجاج إليها ولزم أحد شيخَيها، وهو ابن عمّه الشيخ هاشم الخطيب، فواظب على حضور دروسه وسماع مواعظه، وهجر أصحابه من جماعة الزكرتية وصحب طلبة العلم واتخذ زِيّهم، وأعفى لحيته وبالغ فيها حتى صارت من أعظم اللحى. وكان قصيراً عريض المنكبين والصدر، فزاد ذلك لحيته عظماً في عين رائيها. واتخذ لنفسه دكاناً في «النّوفرة» تحت درَج الباب الشرقي للأموي، فضاق بنفقته موردُ الدكّان وأشرف على الإفلاس، وكانت له صلة بالأستاذ شاكر الحنبلي هي فوق المعرفة العارضة ودون الصداقة الأكيدة، فذهب إليه (وكان وزير الداخلية) فقال له: أريد وظيفة. قال: يا أباعجاج، أي وظيفة أعطيك وأنت لا تحمل شهادة؟ قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>