للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به ليشير في الجدول إلى الحاضرين والغائبين، ثم يعدّ الطلاّب من بعيد يُحصيهم بنظره، فإن وجد الميمات في الجدول أكثر من الحاضرين في المكان علم أن من ائتمنه قد خان. ومنهم من لا يعد الأسماء ولا ينظر في الحاضرين ولا يقيم للأمر وزناً، ويوقّع الجدول ناسياً أنها أمانة وأنّ الله يسألنا عن كل ما اؤتُمنّا عليه.

وكنت أنغمس فيما أمارس من أعمال يكاد يضيق عنها وقتي، وأختلس من بينها ساعات أروغ فيها إلى الكلية أسرع الخُطا لآخذ «الميم» وأنسلّ هارباً، إلاّ إن كان الدرس لمثل أبياليسر عابدين أو فارس الخوري أو سعيد المحاسني أو ستيف، فلا أقدر على الهرب. ومَن يقدر على الهرب من المائدة الحافلة وهو جوعان؟ أبقى على ذلك السنة إلاّ أقلها، وربما نسيت في غمرة أعمالي الكلّية وما فيها، حتى إذا لم يبقَ بيني وبين الامتحان إلاّ شهر واحد تركت كل ما في يدي واختفيت فلا يراني أحد ولا يعرف مكاني، وعكفت على كتب الكلية ومذكّراتها ومراجعها لا أفكر إلاّ فيها ولا أشغل ذهني بغيرها، وكان اختفائي (أكثره) في دار عمّي الشيخ عبد الوهاب، والدار بجوار الجامع الأموي عند المدرسة البادرائية وحمّام سامه، في زقاق عرضه أربعة أذرع تتفرع منه حارة عرضها أقلّ من باع، تدخل فيها أربعين ذراعاً ثم تلتوي بك فتمشي أربعين أخرى، قد ركبَتها البيوت فهي مظلمة في وضح النهار، تدخل من بابها إلى دهليز صغير فيه «قاعة» الضيوف ومرافقهم ثم إلى صحن واسع فيه شجرات و «دالية» صاعدة إلى «المَشْرَقة» تحمل كل عام أكثر من مئتي (كيلوغرام) من العنب البلدي الذي يزيد حجم حبّته على حجم إبهام الرجل

<<  <  ج: ص:  >  >>