للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قرأتم مقالتي «مجانين» في كتابي «صور وخواطر» رأيتم أمثال هذه الأخبار.

أستاذنا مسلّم بك عناية كان أحد هؤلاء. كان برتبة «كولونيل» في الجيش العثماني، فلما انحلّ الجيش جاءنا كأكثر زملائه العسكريين مدرّساً في مكتب عنبر، ولكنه كان أكبر من أن يكون مدرّساً للطلاّب فلم يستطع أن ينزل إليهم وما استطاع أن يرفعهم إليه، فكانت بينهما فجوة ملؤوها شغباً وضحكاً وهزراً حتى صار درسه مثلاً مضروباً للفوضى. كان «أستاذاً» في الرياضيات، يضرب بذهنه رقمين في رقمين ويعطيك الجواب خلال ثوانٍ، والمسائل التي يعجز الأساتذة عن حلّها يحلّها على أهون سبيل، يُحسِن التركية ويُعَدّ أديباً فيها، والفرنسية وكان يدرّسها في مدارس الشرطة، والألمانية، وكان أساتذة الكيمياء إذا لم يقدروا على إجراء تجرِبة رجعوا إليه فأجراها هو أمامهم وأمام الطلاّب. عالِم بالموسيقى وعازف ممتاز، أمّا ذكاؤه فلم أرَ من كان له مثله، لكن ذكاءه كان يجاوز الحدّ.

أضرب لكم مثلاً: رجلاً يريد أن يقفز حتى يصير على ظهر الفرس، إن كانت قفزته قصيرة وقع دونها، هذا هو الغبي، وإن كانت معتدلة جاء على ظهرها وهذا هو الذكي، وإن كانت طويلة وقع وراء الفرس، وهذا الذي يجاوز ذكاؤه الحدّ. كنا نقول له كلمة، فلا يزال يديرها في ذهنه ويستخلص منها المعاني حتى يصل إلى معنى لم يخطر لنا فيه إساءة إليه، فيغضب منّا. (ومثله في هذا خالي مُحبّ الدين الخطيب).

كان يدّعي أن الرياضيات فيها جواب كل مسألة. سمعَنا مرة

<<  <  ج: ص:  >  >>