للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت بلغة المشاعر يوم عذاب.

وما صدّقت أننا بلغنا السهل سالمين، وخرجنا ننفض غبار الموت عن ثيابنا، ورفعنا رؤوسنا فإذا أصحابنا لا يزالون فوق، تبدو سياراتهم كأنها -من صغرها- علب الكبريت. فجعلنا نناديهم لينزلوا وهم يصرخون بأنهم لا يستطيعون، فلا نحن نتبيّن كلامهم ولا هم يتبينون كلامنا، لأن صدى الصوت يختلط به فلا نفهم الكلام من تعاقُب الأصداء. فلجأنا إلى الإشارات بالمناديل ونحن واقفون أمام مصابيح السيارة لعلهم يُبصروننا، ومضت مدّة ثم رأينا السيارات تتعاقب هابطة، ما أبصرناها تماماً ولكن رأينا حركة أنوارها.

ووصلوا إلينا مع وصول الجند الذين بعث بهم أمير تبوك لاستقبالنا وإرشادنا، وبلغنا البلد، ولكني لم أبصر منه شيئاً ولا حاولت أن أبصر، شغلني ما كنت أجد من الإعياء ومن شدّة «الانفعالات»، حتى دخلنا المنزل.

لم يكن منزلاً كالذي رأيناه من منازل القريات. تلك بيوت من اللبِن والطين وهذا بناء حضري، حسن العمارة واسع الأبهاء فيه الممرّات والحُجَر الكثيرة، ودفعني الفضول إلى أن أتعرف ما هو فمشيت قليلاً، فجاءني واحد من «الخُوَيّان» فقال لي: من هنا. فتبعته، فأوصلني إلى باب مغلَق فأشار إليه وتركني، فدخلت الباب فوجدت شيئاً ما كنت أطمع في مثله ولا في المنام، مفاجأة ملأت قلبي بالدهشة وبالفرحة معاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>