للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان. إنه ضاع بين العمارات فاسألوا الشيوخ عنه (١)، وتصوّروه باباً حقيقياً يُفتح نهاراً ويُغلق ليلاً، وباب شريف والباب الجديد وإلى جنبه أو بالقرب منه الكنداسة (الكوندانسيه)، ثم صِلوا بين الأبواب بسور بجدار متصل: هذه جدّة كلها.

وكان موضع وزارة الخارجية -كما يُخيّل لي الآن- تلاًّ يقتعد الناس جوانبه عند كل عشيّة، وليس بعده شيء من العمارات إلاّ طائفة من البيوت القديمة على ساحل البحر. وكانت الرُّوَيْس قرية، ولست واثقاً من هذا الذي أقول فالصورة قد بهتت لطول العهد بها، خمسون سنة ليست شهوراً معدودات، ثم إني لم أُقِم يومئذ في جدّة إلاّ أياماً قضيناها في دار الشيخ محمد نصيف (الأفندي نصيف) رحمه الله.

عرفته من تلك الأيام، ثم اتصل الودّ بيننا وتوثّقَت المعرفة حتى صارت صداقة على بُعد ما بيني وبينه في السنّ وفي المنزلة، وفي نبيل الخلال وفي كريم الفعال. لقد كتبت عنه يومئذ فقلت: إن من زار جدّة ولم يزُر الشيخ نصيف فما زارها، سرقت المعنى من قول ذي الرِّمّة:


(١) أعادوا بناء أبواب جدة غيرَ بعيد من صدور هذه المقالة، فأنشؤوا في موضع كل باب باباً جديداً بهيئته القديمة التي كان عليها (أو قريباً من هيئته القديمة، فما كنت يوم كانت الأبواب القديمة لأجزم بذلك، إلا أنهم جعلوها أقواساً لا أبواب تُفتَح وتُغلَق فيها)، فمَن ذهب اليوم إلى موضع باب مكة وجد الباب هناك، وكذلك باب شريف وسائر الأبواب. وفي أول الحلقة الثمانين من هذه الذكريات إشارة إلى هذا الأمر (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>