للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعيدًا، فأصبح ما جمعوا بورًا، وما أملوا غرورًا، وأصبحت مساكنهم قبورًا» (١).

وكان أبو الدرداء إذا رأى جنازةً قال: «اغدوا فإنَّا رائحون، أو روحوا فإنَّا غادون، موعظةٌ بليغة، وغفلةٌ سريعة، كفى بالموت واعظًا، يذهب الأول فالأول، ويبقى الآخر لا حلم له» (٢).

* * *

• ومن مواعظه - رضي الله عنه -:

ما رواه جبير بن نفيرٍ (٣): أنَّه لما فتحت قبرس، فرِّق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعضٍ، ورأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يومٍ أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله؟! قال:

«ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره! بينا هي أمَّةٌ قاهرةٌ ظاهرةٌ، لهم الملك، تركوا أمر الله؛ فصاروا إلى ما ترى».

ما أجمل الموعظة بالموقف!

ها هو العالم الحكيم، صاحب النظر الثاقب، يلفت النظر إلى معنًى قد يغيب في لحظة الفرح بانتصار المؤمنين، إنَّه النظر والتأمُّل في سنن الله في الأمم والمجتمعات، التي انطبقت على هذه الأمة التي لمَّا تمرَّدت على سنن الله حلَّت بها المثُلات! وتأمَّل في هذه العبارة المتينة:

«بينا هي أمَّةٌ قاهرةٌ ظاهرةٌ، لهم الملك، تركوا أمر الله؛ فصاروا إلى ما ترى»، هل تأمَّلت هذه الأوصاف الثلاثة: «قاهرةٌ، ظاهرةٌ، لهم الملك»؟


(١) تاريخ دمشق (٤٧/ ١٣١).
(٢) حلية الأولياء (١/ ٢١٧).
(٣) حلية الأولياء (١/ ٢١٦).

<<  <   >  >>