للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنَّ طلب ابن عمر من تلميذه أن يسأل هذا السؤال، إنَّما أراد به أن يوقظ في قلب تلميذه هذا المعنى، الذي قد يغيب عن الإنسان مع انهماكه في الحياة وانشغاله بمتعها.

مثل هذه الأسئلة كانت مادةً يعظ بها السلف أنفسهم وأصحابهم.

وقد ذكر الحافظ عبد الحقِّ الإشبيليُّ رحمه الله أنَّ أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه - مرَّ بالمقابر فوقف عليها، فقال:

«السلام عليكم أهل الديار الموحشة، والمحالِّ المقفرة!

أنتم لنا سلفٌ، ونحن لكم تبعٌ، وبكم عمَّا قليل لاحقون، اللَّهمَّ اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنَّا وعنهم، طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي في جميع أحواله عن الله تعالى! ثم قال: يا أهل القبور، أمَّا الزوجات فقد نُكحت، وأمَّا الديار فقد سُكنت، وأمَّا الأموال فقد قسمت! هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟! ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما إنَّهم لو تكلَّموا لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى «(١).

* * *

• ومن مواعظ ابن عمر العمليَّة (٢):

أنَّه قرأ سورة المطففين حتى بلغ قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: ٦]، فبكى وامتنع عن قراءة ما بعدها. إنَّ هذا الموقف يمثِّل نموذجًا من نماذج كثيرةٍ تحكي واقع السلف


(١) العاقبة في ذكر الموت (ص ١٩٦).
(٢) الزهد؛ لأحمد بن حنبل (ص ١٥٧).

<<  <   >  >>