للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمحقَّرات إذا كثرت صارت كبائر؛ بالإصرار عليها والتمادي فيها، وقد روى ابن وهبٍ، عن أبي أيُّوب - رضي الله عنه - قال: إنَّ الرجل ليعمل الحسنة فيثق بها، ويغشى المحقَّرات، فيلقى الله يوم القيامة وقد أحاطت به خطيئته! وإنَّ الرجل ليعمل السيِّئة، فما يزال منها مُشفقًا حَذِرًا حتى يلقى الله يوم القيامة آمنًا.

وقال أبو عبد الرحمن الحُبلِّيُّ: مثل الذي يجتنب الكبائر ويقع في المُحقَّرات؛ كرجلٍ لقاه سبُعٌ فاتَّقاه حتى نجا منه، ثم لقيه فحل إبلٍ فاتَّقاه فنجا منه، فلدغته نملةٌ فأوجعته، ثم أخرى، ثم أخرى، حتى اجتمعن عليه فصرعنه! وكذلك الذي يجتنب الكبائر ويقع في المُحقَّرات» (١).

ولقد أحسن القائل:

خلِّ الذُّنوب صغيرها ... وكبيرها ذاك التُّقى

واصنع كماشٍ فوق أر ... ض الشَّوك يحذر ما يرى

لا تحقرنَّ صغيرةً ... إنَّ الجبال من الحصى

فإن قلت: ما الموبقات التي أشار إليها أنسٌ - رضي الله عنه -؟

فالجواب: أنَّ العلماء تنوَّعت عباراتهم في تفسير ذلك؛ فمنهم من قال: ترك صلاة الجماعة والتهاون بها، والغِشُّ في البيوع، حتى انقلب الحال وصار بعضهم يَعُدُّ الغشَّ من المهارة في البيع والشراء والعقود! ويرى أنَّه من باب الحذق والذَّكاء والدَّهاء! نسأل الله العافية.

وقال آخرون: فُشُوُّ المعاملات الرِّبويَّة، وبعض البيوع المحرَّمة.

ومثَّل بعض العلماء لذلك: بالتسامح بعرض الخصم ومن بينه وبين


(١) شرح البخاري؛ لابن بطال (١٠/ ٢٠٢).

<<  <   >  >>