للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أن السيدة خديجة رضي الله عنها لما أرادت أن تُخفِّف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تخوُّفه من نزول الوحي اتخذت من صفة التكافل التي اشتهر بها قبل النبوة دليلًا عقليًّا على أن الله لا يخزيه فقالت: (كلا، والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسِب المعدوم، وتَقرِي الضيف، وتُعِين على نوائب الحق) (١).

والمهاجر من أحوج الناس إلى أنصارٍ يتكافلون معه، لغربته وفقره وانقطاعه، وقد ضرب أنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكبرَ الأمثلة في التكافل مع إخوانهم المهاجرين، وكان منها أن أشاروا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يقسم النخل، بينهم وبين المهاجرين، فقال: لا، فقال الأنصار: (تكفونا المؤونة، ونشرككم في الثمرة) (٢)، وبذلك عمل بعض المهاجرين في بساتين الأنصار، وقاسموهم الثمار، وحُلَّت مشكلة البطالة والفقر، وكان من صور تكافلهم أن المهاجر كان يرث أخاه الأنصاري دون ذوي رحمه) (٣).

للأخوة التي آخى رسول الله بينهما، وكانت مرحلة استصفت النفوس، وأخلصتها لله، ثم نُسخ ذلك. وهذا التكافل لا يبرز بأسمى صوره، إلا كلما تعمقت معاني الأخوة والإيثار، واندثرت جذور الأنانية والاستئثار.


(١) صحيح البخاري - كتاب بدء الوحي - باب ٣ - الحديث ٣ - (الفتح ١/ ٢٢).
(٢) صحيح البخاري - كتاب الشروط - باب ٥ - الحديث ٢٧١٩ (الفتح ٥/ ٣٢٢).
(٣) صحيح البخاري - كتاب التفسير - سورة ٤ - باب ٧ - الحديث ٤٥٨٠/عن ابن عباس (الفتح ٨/ ٢٤٧).

<<  <   >  >>