للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}

حين تستقيم الفطرة وتسلَم من اتِّباع الهوى تتمثَّل في صاحبها بخلق الأمانة، وفي تفسير قوله تعالى: {إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: ٧٢]، يقول القرطبي (والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال) (١)، كما يقول في تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: ٨]، (والأمانة والعهد: يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولًا وفعلًا، وهذا يعمُّ معاشرة الناس، والمواعيد، وغير ذلك، وغاية ذلك حفظه والقيام به) (٢).

وحين يعم التعامل بالأمانة يؤدي الذي اؤتُمِن أمانته، سواء اؤتمن على قنطار أو دينار؛ لأن الله أمر بأداء الأمانات إلى أهلها، ونهى عن خيانة الله والرسول وخيانة الأمانات، وجعل من صفات المُفلِحين أنهم يرعون عهودهم وأماناتهم، والنفوس البشرية بفطرتها تميل إلى الناصح الأمين، وتثق بالقوي الأمين، حتى غير المسلمين يؤثرون الأمين، فقد روي في قصة أهل نجران لما وافقوا على دفع الجزية أنهم قالوا: «إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعث معنا إلا أمينًا. فقال: لأبعثن معكم رجلًا أمينًا، حقَّ


(١) فتح القدير ٤/ ٣٠٨ نقلًا عن القرطبي.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٧٣.

<<  <   >  >>