للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن البشر إنما {يَعْلَمونَ ظاهِراً مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيا}، أما الحقائق والماهيّات فلم يصل إليها علمهم.

أنا أفكر وأعلم أن الدماغ (أي المخ) له صلة قوية بالتفكير، فإن اختلّ جزء منه اختلّ الفكر، ولكن هل الفكر هو الدماغ؟ لمّا انتصر المذهب المادي في أواخر القرن التاسع عشر قال هيغل (أو إسبنسر، نسيت من منهما القائل): «إن الدماغ يفرز الفكر كما تُفرز الكَبِدُ الصفراءَ». ثم صارت هذه المقالة تاريخاً يدوَّن ونادرة تُروى. لقد أبطل هنري برغسون وأصحابه نظرية الماديين، وإن عادت إليها الحياة شيئاً قليلاً على يد الماركسيين. ومذهب ماركس


= العلوم، وسوف ترون فيما يأتي من هذه المقالة تأكيد هذا الذي أقوله والبرهان عليه.
وقد بات العلماء يعرفون اليوم أن ما كنا نحسبه مكوّنات أوّلية للذرة إنما يتكون من أجزاء أصغر؛ فالبروتونات والنيوترونات التي تكوّن معاً نواة الذرة يتكوّن كل واحد منها من اجتماع ثلاثة جُسَيمات أصغر يسمّونها «الكوارْكات»، وهي على ستة أنواع، فالبروتون يتكون مثلاً من اتحاد اثنين منها شحنةُ كلٍّ منهما ثلثا وَحدة موجبة وثالثٍ شحنتُه ثلث وَحدة سالبة، فيكون المجموع وَحدة موجبة واحدة. والنيوترون يأتي من اجتماع كواركين شحنة كل منهما ثلث وَحدة سالبة وكوارك ثالث شحنته ثلثا وَحدة موجبة، فيلغي بعضها بعضاً ويصبح بلا شحنة (متعادلاً). هذا كله نعرفه اليوم، ولكنا ما زلنا -كما قال جدي هنا- نجهل حقيقة الشحنة التي هي الكهرباء. وسيأتي بعدَنا جيل يعرف أكثر وأكثر، وربما استمرّ العلماء في العثور على مكوِّنات للمادة أصغر وأصغر، وإنما هذا من الإعجاز، ليقول كل جيل منهم للذي سبقه: «وما أوتيتُم من العلم إلا قليلاً»، وصدق الله (مجاهد).

<<  <   >  >>