للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو أدب أو نبوغ، وحسب الرجل أن ينشر في كتاب ما يُطوى في الخلوة، أو أن يظهر في صورة ما يستر من العورة، حتى ينال منه ما يريد.

فتجرأ الناس على الأدب واقتحموا حِماه من غير أن يُعدّوا لذلك عدته، من وقوف على اللغة وأساليبها، واطلاع على صرفها ونحوها، ونظر في رسائل بلغائها ودواوين شعرائها ... وفيمَ هذا العناء كله، وأدب الشهوة لا يحتاج إليه ولا يعتمد عليه؟ وما هي إلا سهرة في الخمّارة أو ليلة في المرقص، حتى تجمع أسبابَه كلها ومقوماته!

طُبع في دمشق منذ سنة كتاب صغير، زاهي الغلاف ناعمُه، ملفوف بالورق الشفّاف الذي تُلَفّ به علب الشكلاطة في الأعراس، معقود عليه شريط أحمر (كالذي أوجب الفرنسيون -أولَ العهد باحتلالهم الشام- وضعه في خصور بعضهن ليُعرَفن به!) فيه كلام مطبوع على صفة الشعر، فيه أشطار طولها واحد إذا قستَها بالسنتيمترات، يشتمل على وصف ما يكون بين الفاسق القارح والبغيّ المتمرسة المتوقحة، وصفاً واقعياً لا خيال فيه، لأن صاحبه ليس بالأديب الواسع الخيال، بل هو مدلل غني عزيز على أبويه، وهو طالب في مدرسة، وقد قرأ كتابَه الطلابُ في مدارسهم والطالبات!

وفي الكتاب -مع ذلك- تجديدٌ في بحور العَروض؛ يختلط فيه البحر البسيط بالبحر الأبيض المتوسط! وتجديدٌ في قواعد النحو، لأن الناس قد مَلّوا رفع الفاعل ونصب المفعول، ومضى عليهم ثلاثة آلاف سنة وهم مقيمون عليه، فلم يكن بُدٌّ

<<  <   >  >>