للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أدركت ولا خُفَّي حُنين!

وقد تعودنا ألاّ يُذكر في هذا المقام، مقام التكريم وتوزيع الجوائز، إلا من كان يلقى الناس دائماً ومن عقد بينه وبين كبارهم صداقات وصِلات، أما أن يُعمَد إلى رجل مثلي، معتزل من سنين طويلة قد اشتمل عليه بيته، لا يلقى الناس إلا من كُوّة الإذاعة أو من لوحة الرائي (التلفزيون) أو من بين سطور الجريدة، ثم يكرّموه، فهذا شيء عجيب ... وهذا ما كان.

إن من أكبر الشرف أن يسجَّل أحدنا في فرقة خدم الإسلام. أليس عند الفرنسيين «جوقة الشرف» ووسامها عندهم أعلى وسام؟ إن خدمتي للإسلام كانت بتوفيق من الله لي وكانت نعمة أنعمها الله عليّ، لم تكن بعملي أنا. وهل اخترت أنا قبل أن أولد الشيخ مصطفى الطنطاوي العالم الفقيه أمين الفتوى ليكون أبي؟ وهل شاركته في اختيار شقيقة محب الدين الخطيب لتكون أمي؟ إن الله أنعم عليّ بذلك بغير عمل مني وأثابني عليه (١).

إن أكبر حادث في حياتي لم أره ولم أعرفه إلا سماعاً من الناس، وهو يوم مولدي؛ لا أذكر منه إلا ما ذكروه لي، وقالوا (وهو خبر من الأخبار) إني وُلدت بلا أسنان، وإني لم أكن أتكلم، وإني لم أكن أفهم الكلام، ولا أستطيع أن أنقلب من جنب إلى جنب، مع أن الحيوان تلده أمه فيقف على رجليه ثم يمشي معها، ولم تولّده طبيبة ولا قابلة! وكنت إن حطَّت على


(١) ولكنه -من كرمه- لا يعاقب من كتب عليه أن ينشأ في بيت فسوق وعصيان، وإنما يؤاخذ كل إنسان بعمله.

<<  <   >  >>