للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي اطّلع على نظريات التربية ودخائل النفس البشرية، وفهم طبائع التلاميذ وقوَّم أخلاقهم، وضرب لهم من نفسه مثلاً سامياً وأراهم منه صورة كاملة.

* * *

بقي أصول التدريس. كيف ندرّس في مدارسنا الدينية؟

كنت منذ أعوام مدرّساً في مدرسة طارق بن زياد في دمشق على سفح قاسيون، وكان في الصف الذي يقابلني حصة اللغة الفرنسية، فدخل الصفَّ مفتّشُ الفرنسية ... وهو رجل فرنسي أحمق كان في بلده معلماً أولياً، فعُيِّن في بلادنا مدير دار المعلمين العالية ومفتش اللغة الفرنسية، ولما صار كذلك أصبح من حقه أن يأخذ شهادة الدكتوراة، فأخذها صَدَقة من وزارة المستعمرات! فما راعنا ونحن في دروسنا إلا سعادة المفتش يأخذ علبة الأوساخ وهي ممتلئة فيرفعها فوق رأسه، برغم أنها كبيرة وأنها مصنوعة من الخشب الغليظ، ثم يفلتها فتهوي ويكون لها ضجة هائلة، فيضطرب المعلم ويفزع التلاميذ وفيهم صبية صغار، فيضحك الكبار ويبكي الصغار، ويبتدر الجبناء البابَ منهزمين ويقفز الجُرَآء صائحين مشاغبين، وتمتلئ غرفة الدرس بالأوساخ، وتزلزل الأرض زلزالها فيتعطل كل درس في المدرسة، ويخرج الطلاب والمدرسون من صفوفهم.

ولما هدأت الدنيا بعد زلزالها سألنا: ما الخبر؟ فقالوا: إن سعادته سمع المدرّس يشرح للتلاميذ معنى فعل «tomber» (ومعناه السقوط)، فأحب أن ينبّه المعلم إلى وجوب شرحه بالعمل لا بالقول، فألقى عليه الأوساخ من فوق رأسه ... على

<<  <   >  >>