للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التمسك بالكتاب والسُّنَّة والأثر، وذم الأخذ بالرأي (١):

• قال عمر بن عبد العزيز ﵀: سنَّ رسول الله ﷺ وولاة الأمر


(١) قال ابن رجب ﵀: وقد انقسم الناس في هذا الباب أقسامًا: فمِن أتباع أهل الحديث من سد باب المسائل حتى قلّ فهمه وعلمه لحدود ما أنزل الله على رسوله وصار حامل فقه غير فقيه. ومن فقهاء أهل الرأي من توسع في توليد المسائل قبل وقوعها، ما يقع في العادة منها وما لا يقع، واشتغلوا بتكلف الجواب عن ذلك، وكثرة الخصومات فيه والجدال عليه حتى يتولد من ذلك افتراق القلوب، ويستقر فيها بسببه الأهواء والشحناء والعداوة والبغضاء، ويقترن ذلك كثيرا بنية المغالبة وطلب العلو والمباهاة وصرف وجوه الناس، وهذا مما ذمه العلماء الربانيون ودلت السنة على قبحه وتحريمه.

وأما فقهاء أهل الحديث العاملون به فإن معظم همهم البحث عن معاني كتاب الله، وما يفسره من السُّنن الصحيحة، وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وعن سُنَّة رسول الله ﷺ، ومعرفة صحيحها وسقيمها، ثم التفقه فيها وفهمها والوقوف على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان في أنواع العلوم من التفسير والحديث ومسائل الحلال والحرام وأصول السنة والزهد والرقائق وغير ذلك، وهذا هو طريق الإمام أحمد ومن وافقه من علماء الحديث الربانيين، وفي معرفة هذا شغل شاغل عن التشاغل بما أحدث من الرأي ما لا ينتفع به ولا يقع، وإنما يورث التجادل فيه كثرة الخصومات والجدال وكثرة القيل والقال وكان الإمام أحمد كثيرا إذا سئل عن شيء من المسائل المحدثة المتولدات التي لا تقع يقول: دعونا من هذه المسائل المحدثة. وما أحسن ما قاله يونس بن سليمان السقطي: نظرت في الأمر فإذا هو الحديث والرأي فوجدت في الحديث ذكر الرب ﷿ وربوبيته وإجلاله وعظمته وذكر العرش وصفة الجنة والنار وذكر النبيين والمرسلين والحلال والحرام والحث على صلة الأرحام وجماع الخير فيه، ونظرت في الرأي فإذا فيه المكر والغدر والحيل وقطيعة الأرحام وجماع الشر فيه … ومن سلك طريقه لطلب العلم على ما ذكرناه تمكن من فهم جواب الحوادث الواقعة غالبا، لأن أصولها توجد في تلك الأصول المشار إليها، ولابد أن يكون سلوك هذا الطريق خلف أئمة أهل الدين المجمع على هدايتهم ودرايتهم كالشافعي وأحمد وإسحق وأبي عبيد ومن سلك مسلكهم، فإن من ادعى سلوك هذا الطريق على غير طريقهم وقع في مفاوز ومهالك وأخذ بما لا يجوز الأخذ به وترك ما يجب العمل به، وملاك الأمر كله أن يقصد بذلك وجه الله ﷿ والتقرب إليه بمعرفة ما أنزل على رسوله وسلوك طريقه والعمل بذلك ودعاء الخلق إليه ومن كان كذلك وفقه الله وسدده وألهمه رشده وعلمه ما لم يكن يعلم وكان من العلماء الممدوحين في الكتاب في قوله تعالى ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨]. جامع العلوم والحكم: ١٢٣، ١٢٤

<<  <   >  >>