للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَوَّهْتُ دَهْرِي بِالجُنُونِ عَنِ الهوَى ... لِأكتُمَ ما بِي مِنْ هوَاهُ فَما انكتَمْ

فَلَمَّا رَأَيْتُ الشَّوْقَ وَالحُبَّ بَائِحا ... كَشَفْتُ طِبَاعِي ثُمَّ قُلْتُ نَعَمْ نَعمْ

فَإِنْ قِيلَ مَجْنُونٌ فَقَد جَنَّنِي الهوَى ... وَإِنْ قِيلَ مِسْقَامٌ فَما بِيَ مِنْ سَقم

وَحَقِّ الهوَى وَالحُبِّ وَالعَهْدِ بَيْنَنَا ... وَحُرْمَةِ رُوحِ الأنْسِ في حِنْدِسِ الظُّلَمْ

لَقَد لامَنِي الوَاشُونَ فِيكَ جَهالَةً ... فَقُلْتُ لِطَرفي أَفْصَحَ العُذْرُ فَاحْتَشَمْ

فَعَاتَبَهم طَرْفي بِغَيْرِ تَكَلُّمٍ ... وَأَخْبَرَهُم أَنَّ الهَوَى يُورِثُ السَّقَمْ

فَبِالحِلْمِ يا ذَا المَنِّ لا تُبْعِدَنَّنِي ... وَقَرِّبْ مُرَادِي مِنْكَ يا بَارِئَ النَّسم

فقلت له: أحسنتَ، لقد غلطَ من سَمَّاك مجنوناً، فنظر إلي وبكى، وقال: أَوَ لا تسألني عن القوم كيف وصلوا فاتصلوا؟ قلت: بلى، أخبرني.

فقال: طَهَّروا الأخلاق، ورضُوا منه بيسير الأرزاق، وهاموا من محبته في الآفاق، واتَزّرَوا با لصدق، وارتَدَوْا بالإشفاق، وشَمَّروا تشمير الجهابذة الحُذَّاق، حَتَّى اتصلوا بالواحدِ الرزَّاق، فشرَّدَهم في الشواهق، وغيبهم عن الخلائق، لا تُؤويهم دار، ولا يقرهم قرار، فالنظر إليهم اعتبار، ومحبتُهم افتخار، وهم صفوةُ الأبرار، ورهبانٌ أخيار، مدحَهم

<<  <   >  >>