للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: أو قد بلغكم أنه رسول الله، كان يتكلم بمنطق الإيمان الذي وقر في قلبه برسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، أما مفروق بن عمرو إذ قال: قد بلغنا أنه يذكر ذلك، فإنما كان يتكلّم بمنطق عقله وأدبه، فهو لم يؤمن على كلام أبي بكر بأنهم بلغهم أن محمداً رسول الله ولم ينف ما بلغهم من رسالته، ولم يصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يخدش ذكره أنه رسول الله، ولكنه قارب الصدق مع نفسه، فقال: قد بلغنا أنه يذكر ذلك، وهذا لا يدخل مفروقاً في ساحة الإيمان برسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ولا يخرجه من ساحة صدق الإخبار!

ثم أخذ مفروق في استكشاف حقيقة ما بلغه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذكره أنه رسول الله، أرسله ليدعو الناس إلى توحيده، وخلع الأنداد والشركاء، بعد أن عرف شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إلى أي شيء تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليأخذ بزمام الحوار الذي وصل إلى جوهره وغايته، فقال - صلى الله عليه وسلم -:

"أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، وأن تؤوونى وتنصروني".

وهذا تصديق وتأكيد لقول مفروق: قد بلغنا أنه يذكر أنه رسول الله، وها هو ذا - صلى الله عليه وسلم - يذكر على سمع القوم وبصرهم، بل على سمع الدنيا وبصرها أنه رسول الله، ولكن الظالمين جحدوا رسالته، فكذّبوه، وتظاهروا على أمر الله، واستغنوا بالباطل عن الحق، وهذا هو ما دعا إليه قومه، لم يدعهم إلى شيء غيره، وهو ما دعا إليه الناس جميعاً، هي كلمة إذا قالوها سعدوا وأفلحوا، فهو - صلى الله عليه وسلم - لم يطلب بدعوته مالاً وثراء، ولا شرفاً ولا سيادة ولا ملكاً وسلطاناً، ولكن الظالمين تظاهروا على أمرِ الله، فكذّبوا رسوله إذ دعاهم إلى توحيد خالقهم فقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)} (ص).

<<  <  ج: ص:  >  >>