للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شعبهم، وارتضاها حياةً لهم، حتى أخرجهم الإِسلام من ضيقها إلى سعة عدل الله ورحمته!

وقد حفظ تاريخ الدعوة الإِسلاميّة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كما سيأتي- صورة من هذا الفجور الاستعبادي، وذلك حينما كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى يدعوه إلى الإِسلام فيمن كتب إليهم من ملوك الأرض، فكبر على كسرى أن يقوم لله تعالى قائم من العرب يدعو إلى توحيده، ويأتي بدين جديد، يجعل هذا المستكبر على أسوة مع سائر البشر في المساواة والعدالة، فمزّق كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتغضب وثار وانتفخت أوداج الكبرياء فيه، وزمجر، وهدر وأرعد وأزبد، وبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - موقفه هذا فدعا عليه أن يمزّق الله ملكه، فمزّق الله ملك كسرى، وصارت فارس ملكاً إسلاميًّا، يحمل راية العالم الإِسلامي والمعرفة الإِسلامية، والدعوة إلى الله تعالى! وسيأتي بيان ذلك .. (١)

هذا، والكلام الذي ذكره المثنى في صدد أنهار كسرى وتهيبهم لها يقصد به في صراحة لا تعرف الالتواء والمواربة، وهي خلق يغلب على القادة الحربيّن، بعد أن مهّد له بوجوب المحافظة على العهد أن قوّتهم لا تستطيع أن تقف أمام قوّة كسرى في جبروته، والعهد الذي بينه وبين جيرانه العرب، يعطيه حق أخذ من تحدّثه نفسه بالاعتداء على أنهاره وما وراءها من أرض كسرويه!، كأن هذا جاء اعتذاراً قدّمه المثنى صاحب شيبان وقائدهم عن عدم إمكان إيواء محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وحمايته ونصرته على كسرى وقومه فيما يقع على حدود أنهاره وبلاده! أما إذا


(١) انظر البخاري: ٦٤ - المغازي (٤٤٢٤)، وفتح الباري: ٨: ١٢٧، وشرح المواهب اللدنية: ٣: ٣٤١، والطبري: التاريخ: ٢: ٦٥٥، وابن سعد: ١: ٢٦٠، ومجموعة الوثائق السياسية ٥٣، وسفراء النبي - صلى الله عليه وسلم -: ١: ٩٤ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>