للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرسم النصّ مشهد هذا النفر وهم يستمعون إلى هذا القرآن، ويصوّرون لنا ما وقع في حسّهم منه، من الرّوعة والتأثّر والرهبة، والخشوع: {فَلَمَّا حَضرُوهُ قَالُوا أَنصتُوا}! وتلقي هذه الكلمة ظلال الموقف كله مدّة الاستماع: {فَلَمَّا قضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَومِهِم مُّنذِرِينَ (٢٩)}!

وهذه كتلك تصوّر الأثر الذي انطبع في قلوبهم من الإنصات للقرآن، فقد استمعوا صامتين منتبهين حتى النهاية .. فلما انتهت التلاوة لم يلبثوا أن سارعوا إلى قومهم، وقد حملت نفوسهم ومشاعرهم منه ما لا تطيق السكوت عليه، أو التلكؤ في إبلاغه والإنذار به، وهي حالة من امتلأ حسه بشيء جديد، وحفلت مشاعره بمؤثر قاهر غلاب، يدفعه دفعاً إلى الحركة به، والاحتفال بشأنه وإبلاغه للآخرين في جد واهتمام: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠)}!

ولّوا إلى قومهم مسارعين يقولون: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى}! يصدّق كتاب موسى في أصوله، فهم إذن كانوا يعرفون كتاب موسى، فأدركوا الصلة بين الكتابين بمجرد سماع آيات من هذا القرآن؛ لأن طبيعتها تشي بأنها من ذلك النبع الذي نبع منه كتاب موسى. وشهادة هؤلاء الجن البعيدين -نسبياً- عن مؤثّرات الحياة البشرية، بمجرد تذوقهم لآيات من القرآن، ذات دلالة وذات إيحاء عميق!

ثم عبّروا عما خالج مشاعرهم منه، وما أحسته ضمائرهم، فقالوا عنه: {يَهدِي إِلَى الْحَقِّ وَإلَى طَرِيقٍ مسْتَقِيمٍ (٣٠)}!

ووقع الحق والهدى في هذا القرآن هائل ضخم، لا يقف له قلب غير

<<  <  ج: ص:  >  >>