للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى وصف التدهور الاجتماعي والخلقي السائد في أواخر القرن السادس المسيحي، فقال: (كان يسوغ لمتتبع -غير محنك ناضج الفكر- للأوضاع السائدة في أوائل القرن السابع المسيحي، أن يتنبأ بسهولة وثقة أن أوروبّا وآسيا ستقعان تحت رحمة المغول الوحوش في غضون بضعة قرون قادمة، فلم تكن في أوروبّا الغربيّة أمارات للأمن والنظام وحكم القانون، وقد كانت المملكتان: البيزنطيّة، والإيرانيّة مشغولتين في حرب إبادة وتدمير، بينما كانت الهند في حالة توزعّ ويؤس) (١)!

وبالجملة فقد كانت الإنسانية حينئذ في طريق الانتحار (٢)، وكان الإنسان في هذا القرن قد نسي خالقه، فنسي نفسه ومصيره، وفقد رشده، وفقد قوة التمييز بين الخير والشر، والحسن والقبيح، وكان الناس في شغل شاغل، وفكر ذاهل، لا يرفعون إلى الدّين والآخرة رأساً، ولا يفكرون في الروح والقلب، والسعادة الأخروية وخدمة الإنسانية، وإصلاح الحال لحظة!

وهنا نبصر القرآن الكريم يكشف عن ارتباط أحوال الحياة وأوضاعها بأعمال الناس وكسبهم، ويبين أن فساد قلوب الناس وعقائدهم وأعمالهم يوقع في الأرض الفساد، ويملؤها براً وبحراً بهذا الفساد، ويجعله مسيطراً على أقدارها، غالباً عليها: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١)} [الروم]!

فظهور الفساد هكذا واستعلاؤه لا يتم عبثاً، ولا يقع مصادفة (٣)!


(١) السيرة النبويّة: الندوي: ٤٢ - ٤٣ نقلاً عن: A short History of the world (London, ١٩٢٤) P. ١٤٠ - ٤١ , ١٤٤ .
(٢) المرجع السابق: ٤٤.
(٣) انظر: في ظلال القرآن: ٥: ٢٧٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>