للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع هذا، فالوثنيّة العربيّة تزيّن باطلها بطلاء من الحق (١)، ليسهل على النفوس ازدراد ما فيها من مرارة، حيث تزعم الإيمان بإله خلق السموات والأرض، وفي الوقت نفسه تشرك معه آلهة أخرى، هي مزدلف إليه ووسيلة .. ولما كان خلق السموات والأرض بعيداً عن مرأى الأعين، فقد أنس العبّاد المشركون بالآلهة المزعومة القريبة من أيديهم، والتي يتردّدون عليها صباحاً ومساءً، حتى صارت صلتهم بها هي الصلة الوثيقة، وأصبح ذكر هذا الإله المتوسّل إليه بغيره لا يَرد -كما أسلفنا- إلا في معرض الجدال والاعتذار:

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: ٦١]!

{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣]!

غير أن هذا التعصب لهذا السخف جاوز الحدود، فأما العامة فهم بُهم، أحلاس ما توارثوا، ما داموا قد فقدوا نعمة العقل المدرك، وعاشوا يهرفون بما لا يعرفون!

وأما الذين أوتوا حظًّا من التفكير، فإن تفكيرهم يرتطم بحدود شهواتهم، وربما كتموا ما عرفوا، بل ربما حاربوا ما عرفوا!

وقليل من الناس من يتجرأ على التقاليد المستحكمة، ويجهر بالحق!

وقد وجد قبل البعثة من نظر إلى وثنيّة العرب نظرة استهزاء، وعرف أن قومه يلتقون على أباطيل مفتراة، ولكنه لم يجد الطريق أو الطاقة على كفهم!


(١) فقه السيرة: الغزالي: ٨١ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>