للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى ساقيتك راشداً، فرجع ورجعوا معه، ولم يصلوا إلى الكاهنة، وخلّوا بينه وبينها (١)!

وكان لحادث حفر بئر زمزم أثر خطير في ازدياد مكانة (عبد المطلب) رفعة وعلواً بين قومه، وفي بلده، بل بين العرب أجمعين (٢)، حيث يَسَّرَ الماء -وهو أعز شيء في وجود مكة ومنزلتها- على أهل الحرم، وعلى الحجيج كله، وعلى (عبد المطلب) نفسه، وهو صاحب مرتبتي الرفادة والسيادة، من مراتب السؤدد والشرف في قريش!

وكان (عبد المطلب) وقريش على يقين أن بالحرم إلى جوار البيت بئر أبيهم إسماعيل، وأنها عين ثرَّارَةٌ، لا تنزف أبداً، ولكن أين مكانها بالتحديد، هذا ما حيّرهم وصدّهم عن التفكير فيها طول مدة التاريخ الغابرة، وهم يتهيبون أن يجعلوا من ساحة المسجد منطقة تفتيش وتنقيب عن شيء، مهما بلغ عندهم من العزة، فإن عزّة البيت وحرمته فوق عزّته، وما أدراهم، إن هم أقدموا على البحث ألا يتعرضوا للهلاك، بل ما يدريهم ألا تضار جدران البيت من أثر البحث، بيد أن (عبد المطلب) كان أكثرهم شغلاً وتفكيراً في ذلك؛ لأنه صاحب السقاية، مكرمته ومكرمة أبيه من قبله، وآبار مكة التي يستقي منها الماء للناس في الموسم الأعظم متناثرة متباعدة، وليست كلها غزيرة الماء، مما يجعله


(١) السيرة النبويّة: ابن هاشم: ١: ١٩٣ - ١٩٦ تحقيق الدكتور همام عبد الرحيم سعيد، ومحمد عبد الله أبو صعيليك، المنار، الأردن ط. أولى ١٤٠٩ هـ ١٩٨٨ م، وقال فيه الفاسي: رجاله ثقات: انظر شفاء الغرام: ١: ٢٤٦، والبيهقي في الدلائل: ١: ٩٣ من طريق ابن إسحاق، والأزرقي: ٢: ٤٤ - ٤٦ من طريق ابن إسحاق أيضاً، وعبد الرزاق في مصنفه: ٥: ٣١٣ - ٣١٦ مرسلاً عن الزهري، وابن سعد عن الواقدي: ١: ٨٣ - ٨٤.
(٢) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ١: ٦٢ وما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>