للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للرحم، حاملاً لما يثقل كواهل الناس، مكرماً للضيوف، عوناً على البر -كما سيأتي من شهادة خديجة -رضي الله عنها- حين رجع من حراء، وكان يأكل من نتيجة عمله، ويقنع بالقوت!

ولقد كانت طبيعة العمل في رعي الغنم (١) -كما أسلفنا- تدعو إلى الاختلاط بصبيان من طبقات مختلفة، أكثرهم طبقات الفقراء والخدم والعبيد .. أولئك الذين كانوا يؤجرون لهذا العمل الذي لا يعد من معالي الأعمال، بل يعد من صغارها، ومع أنه - صلى الله عليه وسلم - كان معهم، لم تنزل نفسه عن عزتها من غير استعلاء، فكان يجذبه إلى العلا شرف نسبه، وطيب محتده، وما يراه في أسرته من سمو وعلو وسيادة، وما يكمن في طبعه الكريم من حب لمكارم الأخلاق، من غير غطرسة، ولا كبرياء، ولا استهانة أو استصغار للضعفاء، ويجذبه إلى التطامن والرضا بالقليل صغر العمل في ذاته، من غير نظر إلى ثمراته وأثره في تربية النفس على حسن المعاملة، والرفق بالناس!

وكان الأحداث منهم، خصوصاً الذين انغمس ذووهم أو أولياؤهم في الشهوات يستولي على قلوبهم حب اللهو البريء وغير البريء، ومنهم من ينزع إلى الشر من بعد، ويكون عنصر فساد في المجتمع إذا بلغ أشده!

وإذا كان الضعف يثير الرحمة، ويدفع إلى الحب الخالص البريء، فهؤلاء يدفعون إلى المجون، والمجون يهدي إلى سيطرة الهوى، وسيطرة الهوى تهدي إلى الفساد، والصحبة تجعل السقيم يعدي البريء!

وهكذا كانت حماية الله -عَزَّ وَجَلَّ- لعبده ومصطفاه، وكانت العصمة والتربية الإلهية!


(١) خاتم النبيين: ١: ١٧٠ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>