للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان توفيقاً وإلهاماً من الله، أو ما هذه سبيله، مما لا ننفذ في أسبابه، ولا نقضي فيه بالظن، فقد علمه الله من أشياء كثيرة ما لم يكن يعلم، حتى لا يعيا بقوم إن وردوا عليه، ولا يحصر إن سألوه، ولا يكون في كل قبيل إلا منهم، لتكون الحجة به أظهر، والبرهان على رسالته أوضح، وليعلم أن ذلك له خاصة من دون العرب، فهو يفي بهم في هذه الخصلة البيِّنة، كما يفي بهم في خصال أخرى كثيرة .. فهذه واحدة!

وأما الثانية فقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - في اللغة القرشيّة التي هي أفصح اللغات وألينها، بالمنزلة التي لا يدافع عليها، ولا ينافس فيها، وكان من ذلك في أقصى النهاية، وإنما فضلهم بقوة الفطرة واستمرارها وتمكنها، مع صفاء الحس ونفاذ البصيرة، واستقامة الأمر كله، بحيث يصرف اللغة تصريفاً، ويديرها على أوضاعها، ويشقق منها في أساليبها ومفرداتها ما لا يكون لهم إلا القليل منه؛ لأن القوة على الوضع والكفاية في تشقيق اللغة وتصاريف الكلام، لا تكون في أهل الفطرة مزاولةً ومعاناةً، ولا بعد نظر فيها وارتياض لها، إنما هي إلهام بمقدار، تهيئ له الفطرة القوية، وتعين عليه النفس المجتمعة، والذهن الحاد، والبصر النفاذ، فعلى حسب ما يكون للعربي في هذه المعاني تكون كفايته ومقدار تسديده في باب الوضع)!

(وليس في العرب قاطبة من جمع الله فيه هذه الصفات، وأعطاه الخالص منها، وخصه بجملتها، وأسلس له مآخذها، وأخلص له أسبابها، كالرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهو اصطنعه لوحيه، ونصَبه لبيانه، وخصه بكتابه، واصطفاه لرسالته، وماذا عسى أن يكون وراء ذلك في باب الإلهام، وجمال الطبيعة، وصفاء

<<  <  ج: ص:  >  >>