للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون نظره إلى ما هو أمامه، ولا ينظر إلى الوراء والأحقاد والأضغان، ولم يُعلم في تاريخ حياته أنه شغل نفسه بأحقاد الجاهليّة وما كانت تبث من عداوات!

[الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غار حراء]

وخامس ما يطالعنا: غار حراء، بعد أن عرفنا دلائل الاصطفاء في النسب الشريف، وشق الصدر، ومرارة اليتم، والتربية الإلهيّة، وكيف قبس الصلابة والاستقلال والقدرة والتحمل، والإرادة النافذة، والتحدي الذي لا تنكسر له قناة، حيث نشأ ونما بعيداً عن ترف الغنى، وميوعة الدلال، واتكاليّة الواجدين، وكيف فتح بصره ووعيه تجاه العالم الذي يتجاوز حدود الصحراء وسكونها إلى حيث المجتمعات المدنيّة التي تضطرب نشاطاً وقلقاً، والجماعات العربيّة التي فصلتها عن شقيقاتها في الصحراء الأم سلطات أجنبيّة أحكمت قبضتها على الأعناق .. وكيف كان مسؤولاً عن تجارة أيضاً (١)!

وكل هذا أعطاه تجارب عمليّة حية معاشة، وقد عمق في حسه معطيات كثيرة، وزاده إدراكاً أكثر لما يحدث في أطراف العالم العربي من علاقات بين الغالب والمغلوب، وزاده إفادة أغنى من كل ما يتعلمه الذين يرحلون من مكان إلى مكان، فيتعلمون من رحيلهم طبائع الجماعات والشعوب، وكنه العلاقات بينها، واختلاف البيئات والأوضاع، وزاده قدرة على التعامل المنفتح الذي لا ينقطع له خيط مع شتى الطبائع، وفهماً لما يتطلبه الإنسان في عصر من العصور بعد اطلاع مباشر على نماذج من أحوال الإنسان في سعادته أو تعاسته!

وفوق هذا وذاك، فقد أُتيح للرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة في هذا الترحال امتحان


(١) دراسة في السيرة: ٤٧ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>