للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليعرفوا الحق من الباطل، وليست لهم بصائر يتفكرون بها في مبادئ الأمور وعواقبها، وقد أبرزت الآية الكريمة ذلك في أسلوب إنكاري مفعم بالتقريع والتوبيخ لمَّا أهدروه من مدارك عقولهم، ولدمغهم بالكذب والبهتان، والتسجيل عليهم أنهم قالوا قولاً باطلاً، لو تفكروا فيه، وتدبروا مداخله ومخارجه، لعلموا بطلانه بداهة!

ذلك أن من به مسّ من الجنون يصرعه ويتخبطه، لا يمكن أن يصدر عنه كلام في أرفع درجات البلاغة البيانية، باعتراف غطارفة الفصاحة فيهم، وهو مع ذلك يحمل في عباراته أجلّ المعاني الإنسانيّة، وأسمى الحقائق الكونيّة، وأدق النظم الاجتماعيّة، وأصدق القضايا العقديّة، وأزكى الآداب الخلقيّة، وأفضل الشرائع التعبديّة، ثم يبقى دهره كله على أرفع سنن الاستقامة، وزكانة الرأي، وجودة التفكير، لا يخالف قوله فعلُه، ولا تختلف آدابه وأخلاقه، يعرف له أعداؤه أمانته وصدق حديثه، وبره ووفاءه، وشجاعته ومكارم أخلاقه!

وها هو ذا القرآن الحكيم، الكتاب الذي نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله، قائم بين أظهركم، وفي متناول أيديكم وعقولكم، فاقرؤوه وتعمقوا فهمه، وحاولوا بكل ما أوتيتم من قوة، وادعوا معكم شهداءكم من شياطين الإنس والجن، لتستخرجوا معنى متهافتاً يشعر بأن من أتى به بعيد عن استقامة المدارك العقليّة، وقد تحدّاهم القرآن بآياته، فقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)} (محمد)!

والتدبّر: طلب المعنى بالقلب والعقل، وذلك هو ما يسميه منطق الفلسفة بالنظر والتعقّل، ونتيجته هي العلم واليقين.

وها هو ذا تاريخ محمد - صلى الله عليه وسلم - وأحاديثه وسنته وآدابه وأخلاقه وشريعته تحت

<<  <  ج: ص:  >  >>