للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاشر: وأما عن القول العاشر: وهو مفارقة الوطن (١)، فهذا مما يمكن أن يكون قد دار في خلد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وألم بخاطره، فإن مجيئه لقومه بما يخالف ما هم عاكفون عليه، منغمسون في حمأته من وثنية، وعادات فاسدة، وأخلاق مرذولة، ونظم ظالمة، يجعلهم يضيقون به وبوجوده بينهم، ليغير حياتهم الجاهليّة، وينقلهم إلى حياة مباركة طيبة، تباعد بينهم وبين هذا الفساد الذي ألفوه وارتضوه لحياتهم وعاشوا به فلا أقل من محاولة التخلص بإبعاده عنهم، وإخراجه من بلده، وذلك من أشق ما يكون على النفس، بدليل ما جاء في الحديث من قول ورقة: (يا ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حيًّا إِذ يخرجك قومك)!

واستبعد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أسلفنا- أن يخرجوه؛ لأنه لم يكن فيه سبب يقتضي الإخراج، لما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق، فقال متعجباً: "أو مخرجيّ هم؟ "!

الحادي عشر: وأما عن القول الحادي عشر، وهو تكذيبهم إياه، فهذا أمر طبيعي الوقوع!

الثاني عشر: وأما عن القول الأخير: وهو تعييرهم إياه، فهو لا محصل له؛ لأن خشية التعيير لا تكون إذا كان بأمر معيب، يسوء الإنسان في أخلاقه وسلوكه، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أتى قومه، وأتى العالمين برسالة خالدة كاملة، فبم يعيّرونه حتى يخشى هذا التعيير؟!

ولا يمكن أن يقع ذلك منه -صلى الله عليه وسلم- إلا إذا كان على معنى مجرد مخالفتهم لما كانوا عليه من سوء العقيدة ورذائل العادات التي ألفوها، وأصبح من العسير عليهم خروجهم منها!


(١) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ١: ٣٤٢ - ٣٤٣ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>