للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونجد أنفسنا أمام قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الترمذي وغيره بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء، أصدق من أبي ذرّ" (١)!

إنه الصدق الجسور .. صدق الباطن، وصدق الظاهر .. صدق العقيدة، وصدق اللهجة!

والصدق ولاء رشيد للحق، وتعبير جريء عنه، وسير حثيث معه!

حقًّا، لم يشهد التاريخ بطوله وعرضه .. من الصدق وتحرّي الحقيقة ما شهده في إيمان أولئك السابقين الذين سجّل تاريخهم هذا الصدق الذي يسمو ويتألق!

لم يشهد رجالاً عقدوا عزمهم ونواياهم على غاية تناهت في العدالة والسمو، ونذروا لها حياتهم، على نسق تناهى في الجسارة والتضحية والعطاء .. كما شهد في أولئك الرجال!

لقد جاءوا الحياة في أوانهم المرتقب، ويومهم الموعود .. حين كانت تهيب الحياة بمن يجدّد لقيمها الروحية شبابها وصوابها .. وحين كانت تهيب بمن يضع عن البشريّة الرازحة أغلالها، ويحرّر وجودها ومصيرها!

وننتقل سراعاً إلى صورة أخرى مباركة طيّبة .. ونحن نذكر ما يرويه ابن إسحاق بسند مرسل عن عروة قال: كان أوّل من جهر بالقرآن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اجتمع يوماً أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: والله!

ما سمعتْ قريشٌ من هذا القرآن يُجْهَر لنا به قط، فَمَنْ


(١) الترمذي (٣٨٠١)، وابن سعد: ٤: ٢٢٨، وابن أبي شيبة: ١٢: ١٢٤، وأحمد: ٢: ١٦٣، ١٧٥، ٢٢٣، وابن ماجه (١٥٦)، والدولابي: الكنى: ١: ١٤٦، والحاكم: ٣: ٣٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>