للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونبصر في تأخير الوحي بالجواب عتاباً رمزياً من الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما عاتب سليمان، فيما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن نبيّ الله سليمان عليه الصلاة والسلام كان له ستون امرأة، فقال: لأطوفنَّ الليلة على نسائي فلتحملن كل امرأة، ولتلدن فارساً يقاتل في سبيل الله، فطاف على نسائه، فما ولدتْ منهن إِلا امرأةٌ ولدت نصف شقّ غلام، قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان سليمان استثنى لحملت كل امرأةٍ منهن فولدت فارساً يقاتل في سبيل الله". (١)

وكان هذا عتاباً صريحاً، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا سئل عن أهل الكهف -كما أسلفنا- وعد بالإجابة، ولم يستثن، كما نسي سليمان -عليه السلام- فأعلم الله رسوله بقصة (أهل الكهف)، ثم نهاه أن يعد بفعل شيء دون التقيّد بمشيئة الله!

وقوله جل شأنه: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} استثناء حقيقي من الكلام الذي قبله وفي كيفيّة نظمه اختلاف للمفسّرين. (٢)

فمقتضى كلام الزمخشري أنه من بقيّة جملة النهي، أي هو استثناء في حكم النهي، أي لا تقولن: إني فاعل إلخ ... إلا أن يشاء الله أن تقوله، ومشيئة الله تُعلم من إذنه بذلك، فصار المعنى: إلا أن يأذن الله لك بأن تقوله، وعليه


(١) البخاري: ٩٧ - التوحيد (٤٧٦٩)، وانظر (٣٤٢٤، ٥٢٤٢، ٦٧٢٠)، ومسلم (١٦٥٤)، والحميدي (١١٧٤)، وأحمد: ٢: ٢٧٥، والنسائي: ٧: ٢٥ - ٢٦، والبغوي (٧٩)، والبيهقي: ١٠: ٤٤، وابن حبان (٤٣٣٧)، والطحاوي: مشكل الآثار (١٩٢٥)، وانظر: الفتح ٦: ٤٦.
(٢) التحرير والتنوير: ١٥: ٢٩٥ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>