للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الأول

حكم التجنس بجنسية دولة غير مسلمة

لمحة عن نشأة فكرة الجنسية وتطورها:

عاش البشر منذ القدم على هيئة جماعات، تبدأ من الأسرة التي تتكون من الأب وزوجه وأبنائه، وباجتماع الأسر المتحدة في قرابة الدم تتكون القبيلة، ومن اجتماع القبائل واتحادها نشأت الأمة.

وقديمًا كان انتماء الشخص إلى قبيلته وولاؤه كُلُّه لها، فإليها ينتسب، وفيها يندمج، وفي كيانها تذوب شخصيته، وهو معها ظالمةً أو مظلومةً.

ويمثل هذا الولاءَ قولُ الشاعر العربي قديمًا:

وَمَا أَنَا إِلَّا مِنْ غُزَيَّةَ إِنْ غَوَتْ ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غُزَيَّةُ أَرْشُدِ

وظل الحال على ذلك من التعصب المقيت، والتحزب البغيض، والتفاخر بالأحساب والعصبية الجاهلية إلى أن أشرقت شمس الرسالة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام والتحية، فغدت الرابطة بين المسلمين إنما هي بالانتساب لهذا الدين مهما تباعدت الأقطار واختلفت الألسن، قال -سبحانه وتعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠].

وقال - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" (١).

وجاءت النصوص متواترةً تُقَرِّرُ هذا الأصلَ الأصيلَ والركنَ الركينَ، وتنهى أشدَّ النهي عن كل تعصب وحمية جاهلية، حتى رَسَخَ هذا النظام القويم في النفوس واستقرَّ؛ ولذا قال العربي المسلمُ بعد تبرُّئِهِ من العصبية الجاهلية:


(١) أخرجه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب: لا يظلم المسلمُ المسلمَ ولا يُسلمه، (٢٤٤٢)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، (٢٥٨٠) من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.

<<  <  ج: ص:  >  >>