للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن التجنس إقامةٌ ببلاد الكفر وزيادة، والأدلة واضحة في تحريم المقام بدار الكفر مع عدم استطاعة إظهار شعائر الدين، يقول ابن رشد: "فإذا وجب -بالكتاب والسنة وإجماع الأمة -على من أسلم ببلاد الحرب أن يُهَاجِرَ ويلحق بدار المسلمين. . . فكيف يباح لأحد الدخول إلى بلاد حيث تجري عليه أحكامهم" (١).

قالوا: ولا عذر لهؤلاء المتجنسين؛ لأنهم ليسوا بِمُكْرَهِينَ حتى نقول ما قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦]؛ بل هم مختارون راضون، وليس ما ينتظرونه وراءَ التجنس من حطام الدنيا، وحظوظ العاجلة بمسوغ لهذا التجنس، بل يجب أن يفر المرء بدينه متى استطاع، وإن ذهبت دنياه، اقرأ إن شئت قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: ٢٤].

وقد أوجب الله الهجرة من دار الكفر إن خاف المسلم على نفسه الفتنة، وتَوَعَّدَ الله سبحانه أولئك الذين يَبْقَونَ في أوطانهم بين الفتنة وهم قادرون على الهجرة، فقال جلَّ مِنْ قائلٍ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ٩٧].

وتَوَعَّدَسبحانه مَنْ يعبدُهُ على حرف، فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} [الحج: ١١].


(١) المقدمات الممهدات، لابن رشد، (٢/ ١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>