للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا جميع الأحكام فلا زوال لها ولا تبدل، ولو فرض بقاء التكليف إلى غير نهاية لكانت أحكامها كذلك" (١).

ومع ذلك كله فإن بالشريعة سعة ومرونة ومنطقة من العفو تركت قصدًا للناس من غير نسيان، ففي الحديث: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو فأقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئًا"، ثم تلا هذه الآية: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] (٢)، ثم فتح الباب للاجتهاد في هذه المنطقة، ولإلحاق النظير بنظيره.

كما يلحظ بجلاء أن نصوص الشريعة عنيت بالأحكام الكلية في بعض القضايا أكثر من عنايتها بالجزئيات التفصيلية؛ فإن كثيرًا من قضايا السياسة الشرعية في الإسلام جاءت النصوص فيها عامةً تضع الأطر وتترك التفاصيل، وهذا ملحوظ في نظام القضاء وتطوره، ونظام الحسبة والمظالم، وطرائق الشورى، وغير ذلك، والحكمة في هذا متجلية في تحقيق مرونة التطبيق بعد ثبات التوثيق.

ومن أسباب ثباتها -مع السعة في أحكامها، والمرونة في تطبيقها على اختلاف العصور وتغير البيئات-: ابتناؤها على جلب الصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، فهي شريعة


(١) الموافقات، للشاطبي، (١/ ٧٩).
(٢) أخرجه: أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري في "مستدركه على الصحيحين"، دار المعرفة، بيروت، مصورة عن الطبعة الهندية، كتاب التفسير، تفسير سورة مريم، (٢/ ٣٧٥)، -وعنه: البيهقي في "السنن الكبرى"، كتاب الضحايا، باب: ما لم يُذكَر تحريمه ولا كان في معنى ما ذُكر تحريمه مما يؤكل أو يشرب، (١٠/ ١٢) -، وأبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في "مسنده": "البحر الزخار"، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة -المملكة العربية السعودية، ط ١، ١٤٠٩ هـ / ١٩٨٨ م، (٤٠٨٧)، من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه-. قال الحاكم: "صحيح الإسناد"، وقال نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد"، بتحرير الحافظين الجليلين: العراقي وابن حجر، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤٠٨ هـ / ١٩٨٨ م، مصورة عن ط القدسي بالقاهرة، (١/ ١٧١): "إسناده حسن، ورجاله موثقون" اهـ، وقال في موضع آخر (٧/ ٥٥): "رجاله ثقات" اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>