للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاعدة: "الأمور بمقاصدها" وقاعدة: "العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني" (١).

ولقد تألَّف النبي - صلى الله عليه وسلم - قومًا على الإسلام يوم كان المسلمون بحاجة إلى دعم الوجهاء والكبراء في القبائل والعشائر؛ فأعطى كلًّا من أبي سفيان بن حرب، والأقرع بن حابس، والعباس بن مرداس، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن، مائةً من الإبل تأليفًا لقلوبهم على الإسلام (٢)، حتى قال صفوان: "والله لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ" (٣).

وكذلك أعطى أبو بكر -رضي الله عنه- عدي بن حاتم -رضي الله عنه-، والزبرقان بن بدر -رضي الله عنه- لمكانتهما في قومهما، وكانا مسلمين.

فلما كان عهد عمر وظهر الإسلام وقوي، وصار للمسلمين شوكة ومنعة، رأى عمر ألَّا يعطي المؤلفة قلوبهم شيئًا على الإسلام (٤)؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تألفهم على الدخول في الإسلام والثبات عليه، فلا يكون ذلك سنة دائمة، فأوقف عمر -رضي الله عنه- سهم المؤلفة قلوبهم من مصارف الزكاة، لما رأى من تبدل الأحوال واستغناء الإسلام عنهم.

وليس ذلك نسخًا لهذا الحكم، وإنما هو تصرف من عمر -رضي الله عنه- في تنزيل الحكم


(١) المدخل الفقهي -القواعد الكلية، لأحمد الحجي الكردي، دار المعارف للطباعة، ١٣٩٩ هـ، (ص ١٨).
(٢) أخرجه: مسلم، كتاب الزكاة، باب: إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر مَن قوي إيمانه، (١٠٦٠)، من حديث رافع بن خديج -رضي الله عنه-.
(٣) أخرجه: مسلم، كتاب الفضائل، باب: ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط فقال لا، وكثرة عطائه، (٢٣١٣)، من حديث صفوان بن أمية -رضي الله عنه-.
(٤) أخرجه: الإمام محمد بن إسماعيل البخاري في "التاريخ الصغير"، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار المعرفة، بيروت، ط ١، ١٤٠٦ هـ، (١/ ٨١) -مختصرًا-، وأبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي في "المعرفة والتاريخ"، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، مكتبة الدار، المدينة المنورة، ط ١، ١٤١٠ هـ، (٣/ ٣٧٢). وأبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"، تحقيق: د. محمد عجاج الخطيب، مؤسسة الرسالة، بيروت، (٢/ ٣٠٥)، من حديث عبيدة قال: جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر. . . فذكر القصة. قال ابن حجر "الإصابة"، (١/ ١٠٢): "إسناده صحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>