للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضمن قيمة المغصوب عن مدة الغصب؛ بل يضمن العين فقط إذا تلفت أو أصابها عيب؛ وذلك لأن المنافع -عندهم- غير متقومة في ذاتها وإنما تُقَوَّم بعقد الإجارة، بينما لا عقد في الغصب، بينما ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى اعتبار المنافع متقومة في ذاتها كالأعيان فأوجبوا تضمين الغاصب أجرة المثل من المال المغصوب مدة غصبه سواء استفاد منه أو لا، لكن المتأخرين من الحنفية لاحظوا تجرؤ الناس على الغصب والعدوان وسعيهم إلى الاستفادة من منافع الأموال المغصوبة فأفتوا بتضمين الغاصب أجرة المثل عن منافع المغصوب إذا كان مالَ وقفٍ أو ملكًا ليتيم أو معدًّا للاستغلال، وهذا رأي خالفوا فيه الأصل القياسي في المذهب زجرًا للناس عن الاعتداء (١).

ومن الأمثلة أيضًا: أن المالكية والشافعية لا يعتبرون ذوي الأرحام من الورثة، فكانت أموالهم تذهب إلى بيت المال، فلما رأى المالكية والشافعية فساد الزمان وجور السلطان وعدم انتظام بيت المال أخذوا برأي الحنابلة فورَّثوهم (٢).

ومن ذلك أيضًا: ما أفتى به متأخرو الحنفية من جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن؛ نظرًا لانقطاع عطايا المعلمين التي كانت في العهد الأول؛ لأنهم لو انشغلوا بتعليم القرآن دون أخذ أجرة للزم عنه ضياعهم وضياع عيالهم، ولو انشغلوا بالتكسب للزم عنه ضياع القرآن بين الناس، ولقلَّ فيهم القرَّاء والمعلمون، وهذه الفتيا مخالفة لما أفتى به المتقدمون من أئمة المذهب؛ فقد اتفق أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن -رحمهم الله- على عدم جواز أخذ الأجرة على ذلك؛ شأنه شأن بقية الطاعات من الصلاة والصوم والحج ونحوها؛ بينما علَّل المتأخرون ما ذهبوا إليه بأنه حاصل عن


(١) المبسوط، للسرخسي (١١/ ٧٨ - ٧٩)، المدخل الفقهي العام، لمصطفى الزرقا، (٩٤٥ - ٩٤٦).
(٢) نهاية المحتاج، للرملي، (٦/ ١١ - ١٣)، حاشية الدسوقي، (٤/ ٤٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>