للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعقيدتها، وتستفيد من معطيات زمانها ومكانها لترسيخ أقدامها وتقوية شوكتها، الأمر الذي يحتم -في ظل وجود تعقيدات كثيرة- أن يتشكل ما يمكن أن يسمى "بفقه الأقليات".

"وفقه الأقليات" فقه يتعامل مع حالةٍ تتفاوت تفاوتًا بينًا من استضعاف مطلق يفتح بابًا للترخص والتعامل مع الحالات الاستثنائية، إلى تأسيس لوضع مستقرٍّ وفاعل في الحياة بشكل عام، وهو فقه لا يمكن أن يغفل طبيعة الأرض التي تعيش عليها الأقلية المسلمة، ولا التحديات التي تواجهها، فهو فقه صحيح الاستمداد من الشريعة، وثيق الارتباط بأصولها ونصوصها، ومشدود العُرى بروحها، يراعي الظروف الطارئة والأحوال الاستثنائية، ويعتبر تلك الخصوصية للأقلية، بما يحقق المصالح ويكثِّرها، ويدفع المفاسد ويقللها، دون أن يكون من مقصوده تتبع الزلات، أو العمل بالهفوات.

"لقد كان دأب النظار من الفقهاء المجتهدين في كل زمان أن يعالجوا الأحوال الطارئة في حياة المسلمين بالحلول الشرعية، وأن يوسعوا الاستنباط الفقهي بالنسبة لتلك الأحوال التي لا يكون فيها من نصوص الوحي تفصيل، مثل حال الأقليات المسلمة التي أشرنا إليها، بل كان من دأبهم أن ينتقلوا بالنظر الفقهي من تشريع الأحكام التفصيلية في معالجة تلك الأحوال إلى تأسيس القواعد والأصول المنهجية التي توجِّه ذلك النظر وتكوِّن له ميزانًا هاديًا يتحرى به ما يريده الله تعالى من أحكام في ترشيد الحياة، وتلك مهمة أدَّى فيها الاجتهاد الفقهي في شأن أوضاع الأقليات المسلمة التي أفرزتها التطورات الماضية للتاريخ ما تيسر له أن يؤدِّي، وهي اليوم في شأن الأقليات المسلمة ملقاة على عاتق النظار من الفقهاء والمجتهدين المعاصرين بأشد وأثقل مما كانت ملقاة على عاتق السابقين؛ وذلك لما حصل في هذا الشأن من تطور لم يكن له في السابق مثيل" (١).


(١) نحو منهج أصولي لفقه الأقليات، د. عبد المجيد النجار، المجلة العلمية للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، العدد الثالث، ربيع ثاني ١٤٢٤ هـ، فبراير ٢٠٠٣ م، (ص ٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>